منذ سقوط الإتحاد السوفياتي اتبعت روسيا نهجا مختلفا يقوم على دعم نظريات المؤامرة ونشرها من خلال وسائل الإعلام وأبواقها اليساريين وفي مقدمتها نظرية المليار الذهبي التي طرحها الباحث الروسي ألكساندر تشوماكوف عام 1994.
في كتابه “مُؤامرة حكومة العالم” أشار إلى مخطط غربي من أجل القضاء على شعوب العالم، وان الحكومات الغربية تنظر فعلا إلى دول العالم على أنه طبقتين، الطبقة الغربية الثرية المنتجة والتي يجب أن تزدهر وتعيش وتسيطر على الثروات، ثم هناك بقية العالم وهم مجرد مستهلكين وعالة على العالم ويجب التخلص منهم.
ومن المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤمن بهذه النظرية وهو ما أكد عليه في تصريحات له في منتدى “أفكار قوية للعصر الجديد” في 20 يونيو 2022 حيث قال: “يفتقد نموذج الهيمنة الكاملة لما يسمى المليار الذهبي، إلى أي عدالة، لماذا من بين كل سكان الأرض يجب أن يهيمن هذا “المليار الذهبي” على الجميع، ويفرض قواعد سلوكه الخاصة عليهم؟”.
ويضيف: “هذا النموذج يقوم ويستند إلى أوهام استثنائية، وهو يقسم الشعوب إلى نوعين (أ وب)، وبالتالي فهو عنصري بطبيعته واستعماري جديد من حيث الجوهر، أما عقيدة العولمة الموجودة في أساسه التي يزعم أنها ليبرالية، فأخذت تكتسب على نحو متزايد سمات الشمولية التوتاليتارية التي تكبح البحث الإبداعي وتقيّد الإبداع التاريخي الحر، وأن النظام العالمي الحالي أحادي القطب يعرقل التنمية العالمية”.
إقرأ أيضا:ما هي حرائق الغابات أسبابها وعلاقتها مع الصواعق؟وإذا افترضنا أن الباحث الروسي ومن وراءه روسيا على حق وأن هذه المؤامرة موجودة منذ عقود طويلة، لماذا يتزايد عدد سكان العالم وبمعدلات غير مسبوقة في التاريخ؟
لقد أصبح عدد سكان البشر اليوم في الأرض أكثر من 8 مليارات نسمة وهذا لم يحدث من قبل، خصوصا وأن الأوبئة والمجاعات ووفيات الأطفال والأمراض التي تقتل الصغار كانت كثيرة وطبيعية ومنتشرة في عصور مضت، وحاليا معدلات حدوثها متدنية.
ما نراه ونعرفه هو إلتزام الأمم المتحدة ومؤسساتها بتعقب المجاعات ومكافحتها والضغط على المجتمع الدولي من أجل مساعدة الدول المتضررة، ومن جهة أخرى تحارب أمراضا قاتلة مثل السل والأمراض والفيروسات التي تهدد الأطفال من خلال نشر اللقاحات بدول كثيرة ومنها أفريقيا.
وأيضا يعد الغرب وخصوصا الولايات المتحدة ونيوزيلندا وبريطانيا وسويسرا أكثر الدول التي تسنضيف الجمعيات والمنظمات الدولية التي تكافح الجوع والفقر وموت الأطفال والأمراض المعدية القاتلة ولها أنشطة واسعة وفي مختلف دول العالم.
إضافة إلى ما سبق تبدو الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات التجارية الكبرى في العالم، متعطشة للمزيد من المستهلكين والعملاء لبيع منتجاتهم وخدماتهم وتحقيق أرقام قياسية من الأرباح والعائدات ومكافأة المستثمرين، هل هذا يمكن تحقيقه في وجود مليار نسمة فقط؟
أي شخص يفهم في أساسيات والاقتصاد ولديه مع أبجديات الرياضيات يعرف تماما أنه بدون هذه المليارات من البشر ستتكدس السلع ولن تصل الخدمات مثل الشبكات الاجتماعية إلى الأرقام الكبيرة التي نسمع عنها، وسيكون حجم الاقتصاد العالمي أصغر مما هو الحال الآن.
إقرأ أيضا:عدد الزلازل سنويا وعدد القتلى كل عام وحقائق مهمةوعلى العكس من ذلك تبين من خلال الحرب الروسية الأوكرانية أن روسيا لم تتحرر من أفكارها الاستعمارية والتوسعية القديمة، وهي التي لطالما اتهمت الغرب بالتوسع والتدخل في شؤون الآخرين، لكنها فعلت ذلك من خلال رفض إرادة الأوكرانيين والرغبة في احتلال بلادهم.
إقرأ أيضا:رون ديسانتيس: ما هي مواقف رئيس أمريكا القادم 2024؟تستغل روسيا نظرية المليار الذهبي وعدد من نظريات المؤامرة التي ابتكرها الباحثون الروس ومراكز الدراسات الروسية من أجل شيطنة العالم الغربي وزيادة الكراهية في العالم وبث الفرقة بين الشرق والغرب واللعب على التذكير بجراح الماضي وما إلى غير ذلك من الأساليب التي تستخدمها، بينما تقدم موسكو نفسها كملاك ودولة مظلومة وضحية للناتو وتحدث تهديد المؤامرة.
وللأسف يصدق الكثير من الناس نظرية المليار الذهبي رغم أن الواقع مختلف، وقد رأينا ذلك واضحا في أزمة وباء كورونا.
إقرأ أيضا:
لماذا نظرية المليار الذهبي غير منطقية؟
هل صدام حسين على قيد الحياة وأنه حي يرزق فعلا؟
ثروة روكفلر الحقيقية: مثل روتشيلد انتهى عصرهما الذهبي
أزمة قصيدة ستنتهي الحرب ويتصافح القادة أكبر من كارول سماحة
عندما تكون أمريكا هي الله عند أهل نظرية المؤامرة