بالرغم من أن الإشتراكية مذهب اقتصادي وسياسي قائم بحذ ذاته، إلا أنه مثل أي مذهب هو نتاج الفلسفة ويمكن أن يتأثر بالفلسفة العدمية أو الوجودية بشقيها الإيماني والإلحادي.
والغرض من هذا المقال هو تسليط الضوء على عدمية الإشتراكية في الغاء الدين واعتبار الأفكار انتاج بشري بحث وهي لا تتساقط من السماء وكيف يمكنها أن تستفيد من ضعف الإيمان.
الإشتراكية دعاية سياسية ايجابية
تعتبر الاشتراكية دعاية سياسية إيجابية بحتة في مطالبها في نظر معظم الناس، وفي الواقع يمكن اختزال كل مطالبها إلى قسمين الجماعية والديمقراطية، أن يمتلك الناس وسائل الإنتاج، وأن يتحكم المنتجون في منتجاتهم وهذا هو مجموع ومضمون جميع المنصات الاشتراكية.
وتؤكد عادة الدول الإشتراكية على السيادة المالية والاقتصادية من خلال التضييق على الإستثمار الأجنبي ومنع الخصخصة وهي تحمل شعارات رنانة مغرية للشعوب وللإنسان البسيط بما فيها التقسيم العادل للثروة وحصول جميع الأفراد على حقهم من خلال ذلك.
وإلى يومنا هذا ورغم هزيمة الإشتراكية وفشل نموذجها في الكثير من الدول حول العالم إلا أن أفكارها شائعة وهي محفورة في الذاكرة الجماعية للكثير من الشعوب بما فيها العربية.
تقدم الاشتراكية بعض المُثُل الإيجابية المحددة للغاية، أول هذه العناصر هو “الراحة للجميع” والثاني هو “وقت الفراغ للجميع”، أو حسب عبارة بول لافارج البارع، “الحق في أن تكون كسولًا”، والثالث هو أكبر قدر ممكن من التطور الجسدي والفكري لكل فرد، لا يُنظر إليه على أنه كيان منعزل ومتمحور حول الذات، ولكن كعضو في مجتمع مترابط؛ أو على حد تعبير كارل ماركس وفريدريك إنجلز في البيان الشيوعي، فإن المثل الأعلى الاشتراكي هو “جمعية يكون فيها التطور الحر لكل فرد شرطًا للتطور الحر للجميع”.
إقرأ أيضا:مؤامرة ماتريكس التي أنتجت فلسفة الريد بيل المتطرفةإلغاء الدين ومشكلة الإشتراكية مع الديانات
لا تهاجم الأحزاب الاشتراكية الدين أو الأسرة أو الدولة، لكن الفلسفة الاشتراكية تثبت بشكل قاطع أن تحقيق المثل السياسية والاقتصادية الإيجابية للاشتراكية ينطوي على ضمور الدين، وتحول الأسرة، وانتحار الدولة.
تنبع عدمية الاشتراكية من المفهوم المادي للتاريخ، وهذا هو بالضبط الجزء من العقيدة الاشتراكية الذي عادة ما يتم تجاهله أو يساء فهمه من قبل المثقفين الشباب المتحمسين الذين ينضمون بأعداد متزايدة إلى الحركة الاشتراكية على جانبي المحيط الأطلسي.
في حين أن البيان الشيوعي، الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك إنجلز في عام 1847، تأسس بالكامل على هذا المفهوم، فإن أول بيان مصاغ بوضوح للمفهوم نفسه موجود في مقدمة مساهمة ماركس في نقد الاقتصاد السياسي، المنشور في 1859، وهو نفس العام الذي أعلن فيه داروين ووالاس اكتشافاتهما المستقلة والمتزامنة تقريبًا لنظرية الانتقاء الطبيعي، وهذا البيان الأول يسير على النحو التالي:
في الإنتاج الاجتماعي لوجودهم، يدخل الناس حتمًا في علاقات محددة، مستقلة عن إرادتهم، أي علاقات إنتاج مناسبة لمرحلة معينة من تطور قوى إنتاجهم المادية، تشكل مجمل علاقات الإنتاج هذه البنية الاقتصادية للمجتمع، والأساس الحقيقي الذي ينشأ على أساسه البناء الفوقي القانوني والسياسي والذي يتوافق مع أشكال محددة من الوعي الاجتماعي.
إن نمط إنتاج الحياة المادية يضبط السيرورة العامة للحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية، ليس وعي الرجال هو الذي يحدد وجودهم ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم، في مرحلة معينة من التطور تتعارض قوى الإنتاج المادية في المجتمع مع علاقات الإنتاج القائمة وهذا يعبر فقط عن الشيء نفسه من الناحية القانونية مع علاقات الملكية التي كانت تعمل في إطارها حتى الآن.
إقرأ أيضا:لا أحد يعلم ماذا يحدث بعد الموتتتحول هذه العلاقات من أشكال تطور قوى الإنتاج إلى قيودها، ثم يبدأ عصر الثورة الاجتماعية وتؤدي التغييرات في الأساس الاقتصادي عاجلاً أم آجلاً إلى تحول البنية الفوقية الهائلة بأكملها.
هذا البيان يؤكد على أن العدمية هي الجوهر الأساسي لهذا المذهب الذي يلغي الدين، لكن أكثر من ذلك يذهب إلى التأكيد على الأفكار السياسية لا تنشأ من فراغ ولا تسقط من السماء إنما تكونها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتعتبر الإشتراكية أن الأفكار مثل المنتجات البشرية ينتجها البشر ولا تأتي من عالم آخر، فهي تتشكل في ظروف معينة، من خلال عمل احتياجات محددة، وهذا لإشباع رغبات معينة أو تحقيق أهداف محددة.
الأديان، مدارس الأخلاق، الفلسفة، الميتافيزيقيا، الفن، المؤسسات السياسية والقانونية، كلها يجب شرحها في التحليل الأخير من خلال البيئات الاقتصادية الحالية والماضية، هذه المادية القاسية تسحق الإيمان بالله وبالروح والخلود.
الإشتراكية تترقب انهيار الديانات
صحيح أن الاشتراكية الديموقراطية الألمانية المدرجة في برنامج إرفورت الشهير (الذي تم تبنيه في عام 1891 أول برنامج اشتراكي ماركسي واضح على الإطلاق) طالب بـ “إعلان أن الدين مسألة خاصة، وإلغاء جميع المصروفات من الأموال العامة على الأغراض الكنسية والدينية، ويجب اعتبار الهيئات الكنسية والدينية على أنها جمعيات خاصة ترتب شؤونها بشكل مستقل”، سيتبين أن هذا ليس أكثر من مطالبة بأن تسحب الدولة أحكامها الدينية كما فعلت فرنسا في قانون كليمنصو.
إقرأ أيضا:هل تستطيع الحيوانات التنبؤ بالزلازل والكوارث الأخرى؟يظهر الموقف المميز للمادي الإشتراكي تجاه المسيحية بوضوح شديد في المقتطف التالي من كتاب إنريكو فيري الاشتراكية والعلوم الحديثة:
الإشتراكية تعرف وتتوقع أن المعتقدات الدينية، سواء اعتبرها المرء كظواهر مرضية لعلم النفس البشري، أو كظواهر عديمة الجدوى من الانكماش الأخلاقي، مقدر لها أن تتلاشى بالضمور مع انتشار حتى الثقافة العلمية الأولية، هذا هو السبب في أن الاشتراكية لا تشعر بضرورة شن حرب خاصة ضد هذه المعتقدات الدينية المقدر لها الزوال، وقد اتخذت هذا الموقف على الرغم من أنها تعلم أن غياب أو ضعف الإيمان بالله هو أحد أقوى عوامل امتدادها، لأن كهنة جميع الأديان كانوا عبر جميع مراحل التاريخ الأكثر قوة، حلفاء الطبقات الحاكمة في إبقاء الجماهير مطيعة وخاضعة للنير من خلال سحر الدين.
إقرأ أيضا:
أسباب تخلف العرب والمسلمين من الفلسفة إلى الشطرنج
الصين ستحكم العالم بهذه الطريقة والفلسفة
كيف تلعب الشطرنج Chess وما هي قواعدها الأساسية؟
لن يستطيع بابا الفاتيكان إيقاف اللاإنجابية