كشف تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS تحت عنوان “ضوء في الظلام” عن كيفية إزالة التوتر من العلاقات المصرية الإسرائيلية عبر مجال الطاقة.
وقال تقرير المعهد الذي أستند فيه على آراء عدد كبير من خبراء الطاقة الإسرائيليين من جمعية الغاز الطبيعي الإسرائيلية بجانب السفيرة أميرة أورون، السفير الإسرائيلية السابقة لدى مصر، إن أزمة الطاقة التي ضربت مصر في صيف 2024، والتي تجلت في انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، أكدت على أهمية إسرائيل كمورد للغاز الطبيعي للاقتصاد المصري.
وأضاف التقرير العبري أن التعاون في مجال الطاقة بين الدولتين، والذي يشكل نحو 86 % من إجمالي التجارة بينهما، مستمر في معظمه كالمعتاد منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، على الرغم من تهديدات إيران ووكلائها لإسرائيل لمرافق الغاز الإسرائيلية.
وأوضح التقرير أنه نظرا للتدني الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين بسبب الحرب، يمكن استخدام قطاع الطاقة كرافعة مركزية لتعزيز واستعادة العلاقات بينهما، من خلال أربع خطوات وهي: توسيع صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر؛ تطوير حقل غاز غزة مارين كجزء من التحركات لاستعادة الإعمار في قطاع غزة، في ظل قيادة فلسطينية بديلة لحماس؛ وتعزيز “منتدى غاز شرق المتوسط” (EMGF) كإطار له تأثير على تشكيل الواقع السياسي والأمني والطاقة في المنطقة؛ والخطوة الرابعة بتوسيع التعاون بين إسرائيل ومصر في مجال الطاقات المتجددة.
إقرأ أيضا:تداعيات مذكرة اعتقال نتنياهو على شركات “الهايتك”ولفت التقرير العبري إلى أنه يعود نقص الطاقة الذي تعاني منه مصر إلى عدة عوامل: أولا، انخفاض إنتاج حقول الغاز المحلية، على سبيل المثال، انخفض إنتاج حقل غاز “ظهر” في عام 2024 بأكثر من 40 % مقارنة بذروة الإنتاج المسجلة في عام 2022.
وأضاف المعهد العبري أن الغاز الطبيعي يشكل مصدرًا لـ51% من الطاقة المنتجة في مصر، ويستخدم في 76.8% من إنتاج الكهرباء.
وأستطرد تقرير المعهد في رصد أسباب نقص الطاقة في مصر، مشيرا إلى تضخم الديون المصرية لشركات الغاز الأجنبية، مما أدى إلى تقليص استثماراتها في تطوير حقول الغاز في مصر والإضرار بإنتاج الغاز المحلي.
وقال إن السبب الثالث في نقص الطاقة هي الكميات الكبيرة من السرقات من شبكة الكهرباء المصرية التي تصل في بعض الأماكن إلى 45%؛ ورابعا، زيادة استهلاك الكهرباء في مصر، والذي تضاعف في العقدين الأخيرين بسبب زيادة السكان ويصل إلى ذروته في أشهر الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة في البلاد إلى 47 درجة في بعض الأيام؛ وخامسا، انخفاض موسمي طفيف ولكن متوقع بنحو 8% في صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، بسبب زيادة الاستهلاك في السوق المحلية في إسرائيل خلال فصل الصيف.
وقال التقرير: “ينعكس عمق أزمة الطاقة في مصر في عدة مؤشرات، حيث كان قد صرح وزير البترول المصري كريم بدوي في أكتوبر 2024 بأن حجم إنتاج الغاز في مصر انخفض بنسبة 25 % خلال العامين الماضيين. وفي النصف الأول من عام 2024، انخفض إنتاج الغاز المنزلي في مصر بنحو 15 % مقارنة بعام 2023، ليكون الربع الثاني من عام 2024 هو الأسوأ من حيث إنتاج الغاز في البلاد منذ عام 2017. وفي الوقت نفسه، انخفض استهلاك الكهرباء في عام 2024 وقفزت بنسبة 12% مقارنة بعام 2022. ووصل الوضع إلى حد أن مصر فقدت استقلالها في مجال الطاقة للمرة الأولى منذ 2018، واضطرت إلى استيراد الوقود بتكلفة نحو مليار دولار شهريا لتلبية احتياجات شبكة الكهرباء”.
إقرأ أيضا:انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان العدد الحقيقي.. الآلاف يخضعون لعلاج نفسيونشر تقرير المعهد الإسرائيلي رسم بياني يوضح استهلاك الغاز الشهري مقابل إنتاج الغاز الشهري في مصر، 2011-2024 مستندا على بيانات منظمة (JODI)
وأضاف التقرير أنه علاوة على ذلك، تحولت مصر من مصدر للغاز المسال إلى مستورد لهذا الغاز.
وفي عام 2022 أنتجت مصر الغاز الطبيعي المسال للتصدير بمبلغ 8.4 مليار دولار.
وفي عام 2023 بلغت القيمة الاقتصادية لتصدير الغاز 2.7 مليار فقط (جزء من الفارق يأتي من سعر الغاز وليس من (الأرصدة المتاحة للتصدير).
وفي مايو 2024 اضطرت مصر إلى تعليق تصدير الغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجات السوق المحلية.
وحتى سبتمبر 2024 ، وقعت مصر عقودا لاستيراد 32 شحنة من الغاز المسال للاستخدام الداخلي.
ولسوء الحظ بالنسبة للقاهرة، فقد حدث فقدان صادرات الغاز المسال كمصدر للعملة الأجنبية
في نفس الوقت الذي حدث فيه انخفاض بنسبة تزيد عن 60 % في حركة المرور في قناة السويس وخسارة إجمالية تزيد عن ستة مليارات دولار من الإيرادات، بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وحول علاقات الغاز بين إسرائيل ومصر في ظل الحرب على قطاع غزة، قال تقرير المعهد العبري، إن نقص الغاز يمثل تحديات كبيرة في مجال الطاقة والتحديات الاقتصادية للقاهرة، ولكنه يحتوي أيضًا على فرصة لتوثيق العلاقات المصرية الإسرائيلية، حيث أصبحت الأخيرة موردًا مهمًا للغاز للاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة.
إقرأ أيضا:الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده خلال المعارك في شمال قطاع غزة المحاصروأضاف معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إنه وفقًا لتقرير أمن الطاقة الصادر عن جمعية الغاز الطبيعي في سبتمبر 2024، ستقوم إسرائيل في عام 2025 بتصدير 8.7 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر، أي حوالي سدس الغاز المستهلك في مصر – وهي زيادة جيدة من 6.3 مليار متر مكعب في عام 2022.
وأوضح أنه في الواقع، يشكل الغاز حاليا حوالي 86% من إجمالي التجارة بين إسرائيل ومصر، وأنه بلغ حجم صادرات الغاز إلى مصر 7 مليارات شيكل العام الماضي، ومن المتوقع أن ينمو مع تطوير البنية التحتية للنقل في السنوات المقبلة.
وأضاف تقرير المعهد الإسرائيلي: “إن الاستقرار النسبي لتجارة الغاز الطبيعي بين الدول خلال الحرب مثير للإعجاب للغاية، على الرغم من التوترات المحيطة بمجموعة من القضايا مثل محور فيلادلفيا ومعبر رفح والدور المستقبلي المرتقب للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث وسجلت الأضرار الرئيسية في الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب، حيث انخفضت إمدادات الغاز إلى مصر بنسبة تزيد عن 50 %، ثم توقف ضخ الغاز من حقل تمار الذي يقع على بعد نحو 20 كيلومترا من شواطئ غزة لحماية الحفارة والعاملين فيها من ضربة صاروخية، كما توقف نشاط خط أنابيب غاز شرق المتوسط من عسقلان إلى العريش، ومن ناحية أخرى، استمر تدفق الغاز الإسرائيلي الذي يصل إلى مصر عبر الأردن، كما كان منذ بداية الحرب”.
وقال التقرير: “على خلفية تبادل الضربات المكثف بين إسرائيل ولبنان وإيران، تزايدت المخاوف في مصر من المزيد من الأضرار بتدفق الغاز الطبيعي من إسرائيل، وحذر رئيس الوزراء المصري في أكتوبر 2024 من أن حربا إقليمية يمكن أن تعطل إمدادات الطاقة المنتظمة لمصر وتؤدي إلى حالة الطوارئ، وهو ما أسماه (اقتصاد الحرب)، وتزداد احتمالات هذا السيناريو في ظل تهديد إيران الصريح بمهاجمة منشآت الطاقة الإسرائيلية، ردا على الأضرار الإسرائيلية المحتملة بصناعة النفط الإيرانية”.
وأضاف: “من الناحية العملية، تظل تأثيرات التصعيد الإقليمي على سوق الطاقة محدودة في الوقت الحالي، لقد أدى الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من أكتوبر الماضي بالفعل إلى توقف قصير ونقطة تلو الأخرى للإنتاج من حقلي غاز تمار وليفياثان، لكنه سرعان ما استؤنف، وتستمر عمليات زيادة حجم صادرات الغاز من إسرائيل إلى مصر كالعادة، وفي الوقت نفسه، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بالحرب وموعد نهايتها يعطيان إشاراتهما في شراكات الغاز الأجنبية ويؤديان إلى تأخير خطط التنمية الإقليمية، وفي أكتوبر الماضي، أعلنت شركة شيفرون الإسرائيلية عن تأخير لمدة ستة أشهر على الأقل في مد خط أنابيب آخر تحت الماء، مصمم لنقل الغاز من حقل ليفياثان إلى منصة الإنتاج، وحذر أحمد بيومي، الباحث في الاقتصاد والطاقة بالمركز المصري للدراسات الإستراتيجية، من أنه بسبب الوضع، فإن الشركات العالمية تعلق مشروعاتها القائمة وتبتعد عن الاستثمارات الجديدة في شرق البحر المتوسط”.
وحول الاستنتاجات ومسارات العمل الموصى بها، قال تقرير المعهد الإسرائيلي: “إن مصر وإسرائيل، تمكنت طوال معظم أشهر الحرب، من الحفاظ على الغاز كقناة تعاون مستقرة ومستمرة، وتظل محصنة ضد التهديدات الأمنية والضغوط السياسية، مدركتين أنه رصيد استراتيجي لكلا الجانبين، وأنه قد أدى فصل الغاز عن الأحداث العسكرية والنزاعات السياسية إلى توفير إمدادات منتظمة من الطاقة لمصر، وساعد على استقرارها السياسي ورفاهها الاقتصادي، كما وفر سوقًا للغاز الإسرائيلي ودخلًا للاقتصاد، وقد تغلب الاهتمام المشترك في مجال الطاقة حتى الآن على الفجوات التي ظهرت بين البلدين طوال فترة الحرب، مما خفف إلى حد ما من التوترات بينهما، بل ومنحهما قناة حوار بناءة خلال فترة انخفاض العلاقات الشاملة بينهما”.
وأضاف: “في الوقت نفسه، أثارت الحرب تساؤلات حول مستقبل شرق البحر الأبيض المتوسط كمركز للطاقة، ووجهة لاستثمارات رأس المال الدولية، ومصدر مستقر وموثوق وتنافسي للغاز في نظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وشركات الطاقة العالمية، في ظل التحديات الجيوسياسية العديدة التي تواجهها المنطقة، كما تسببت الحرب في اعتدال علاقات الغاز بين الدول، على عكس الدعاية النسبية التي كانت معتادة في السنوات السابقة”.