تتصاعد الخطابات الشعبوية في شمال أفريقيا، حيث التيارات القومية ترفض الإنتماء إلى الأمة العربية وتتهرب من الإعتراف بالإنتماء إلى القارة الإفريقية.
في مصر انتشرت منشورات وحملات (أنا مصري مش عربي)، وهي تؤكد بأن المصريين اليوم هم أبناء الفراعنة وينبغي لهذا البلد في شمال أفريقيا أن يفتخر ويعتز بالفرعونية والقبطية وحضارة الـ 7000 سنة.
ويقول القائمون على تلك الصفحات أن البدو (العرب الغزاة للمنطقة) ليس لديهم حضارة، فقط كانوا غزاة ونشروا الإسلام وتلاعبوا بالنسيج الإجتماعي للسكان الأصليين.
وبينما كلامهم يحمل صوابا، إلا أن شمال افريقيا هي منطقة استراتيجية لطالما تعرضت للغزو من الإمبراطوريات الأوروبية وكذلك للهجرة من الجنوب والهجرة أيضا من آسيا ومن الصعب القول أن هناك شعب أصيل في المنطقة، الهجرات والحروب هي التي تشكل الشعوب في النهاية على مر التاريخ.
وفي المغرب لا يخالف الحال، حيث ينكر الحزب القومي المغربي اليميني أن المغاربة عرب، وهو يعمل على تمجيد العرق “الموري” السامي النقي، فيما هناك جدل بين التيار الأمازيغي بمكوناته المختلفة مع التيار اليميني القومي، وهناك من يقول انا أمازيغي وهناك من ينفي هذه الصفة عن نفسه أيضا.
وفي المقابل نجد أنه في تونس تبنى الرئيس قيس سعيد فعلا فكر الحزب القومي التونسي المعادي للمهاجرين والأجانب عموما والذي يؤمن بأن هناك مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية لشمال أفريقيا.
إقرأ أيضا:حرب روسيا ضد مصالح مصر في السودان وليبياوبالتوازي مع ذلك هناك صعود لتيار الباديسية النوفمبرية القومية الجزائرية وكان لها حضور في الحراك الاجتماعي الذي شهدته الجزائر خلال 2019.
وبينما يختلف الباحثون في أصول هذه الشعوب وهناك نظريات كثيرة، فقد جاءت دراسة Nature Communications لتؤكد أن الفراعنة والمصريين القدماء هم من الشام وأوروبا (نتيجة فحص الحمض النووي للمومياءات).
أما شعب مصر الحالي فهم أفارقة، لا علاقة لهم ببناة الأهرام، ولا يعرفون سر بناءها والغرض منها، ولا تزال الأبحاث مستمرة حول الحضارة الفرعونية القديمة وأسرارها.
في الوقت نفسه نرجح في شبكة حصريات الإخباري أن شعوب شمال افريقيا اليوم تشكلت بسبب الهجرة وهناك اختلاط وتزاوج بين مختلف العرقيات والقوميات، وليس من الجيد السير في طريق تحديد الهوية بناء على العرقيات لأنها متنوعة للغاية في هذه المنطقة.
المشكلة الأكبر التي تحير المراقبين، هو انكار شعوب شمال افريقيا لانتمائهم إلى القارة السمراء، بل يرى قطيع عريض منهم أنهم من البيض بينما اللون الأسمر يغلب على هذه الشعوب وهناك بالفعل اللون الأبيض لكنه بنسبة أقل وبشكل متفاوت أيضا من دولة إلى أخرى.
التهرب من الإعتراف بأنهم أفارقة يفتح الباب لفرضية أسوأ وهي أنه اعتراف غير مقصود بأن هذه الشعوب لها أصول أوروبية وأسيوية وما هي إلا شعوب مستوطنة لشمال القارة، وهو ما يقودنا إلى نظرية تقول أن السكان الأصليون لشمال أفريقيا كانوا من السود ونتيجة الغزو العربي وقبله الغزو الروماني تغير الوضع.
إقرأ أيضا:المساواة في الميراث ضروري في عصر التغير المناخيتأثرت شمال أفريقيا بالاستعمار الأوروبي لفترة طويلة، حيث سيطرت القوى الإستعمارية الفرنسية والبريطانية والإيطالية على المنطقة، هذا التأثير الاستعماري أثر على الهوية الثقافية والسياسية والاجتماعية للشعوب في المنطقة، لكن هذا حدث أكثر من مرة في الماضي وكانت هناك هجرات في كلا الجانبين لذا اليوم هناك قواسم مشتركة كثيرة بين شعوب دول المتوسط.
تعتبر أزمة الهوية مسألة معقدة ومتعددة الأبعاد، وبينما تبحث هذه الشعوب عن الحقيقة تقود التيارات القومية اليمينية البحث إلى اقصاء الغير واحتقار الشعوب الأخرى والإفتخار بالماضي وانجازات الأوائل التي لم يعد لها اليوم فائدة حقيقية، في الوقت الذي تعمل فيه الدول المتقدمة والسائرة في طريق الإزدهار على بناء حاضرها ومستقبلها.
إقرأ أيضا:الإسلام يكره العزوبية بينما العازب أساسي في المسيحيةيقول الإسلاميون في المنطقة أننا أمة إسلامية ولا فرق بين الناس إلا بالتقوى والتدين، فيما المواطنة العالمية تؤكد على أن الإنسان الحديث يجب أن يكون منفتحا ومتسامحا مع كافة الشعوب والمذاهب حول العالم ويفكر على مستوى أعلى.
إقرأ أيضا:
ما الفرق بين القومية والوطنية ولماذا الأولى عنصرية؟
فوضى القومية بعد أوهام الخلافة الإسلامية والوحدة العربية
كيف تكون مواطن عالمي من الطراز الرفيع؟
ما هي الوحدوية الروسية التي يؤمن بها فلاديمير بوتين؟