علوم

أسباب تخلف العرب والمسلمين من الفلسفة إلى الشطرنج

عادة ما يفتخر المسلمون والعرب اليوم بما حققه الأجداد قبل قرون مضت، من تقدم في الطب والفلك والرياضيات والسياسة والحروب وعلم النفس، واليوم يبحثون عن أسباب تخلف العرب والمسلمين.

لكن مثل الببغاوات، يكرر الناس هنا الأحكام والنتائج التي توصل إليها هؤلاء وتوقف عندها التقدم الإسلامي، مع تشكيك في كل تقدم يحققه الغرب اليوم والأمم الصاعدة الأخرى.

الحقيقة أن تخلف العرب والمسلمين ليس بسبب مؤامرة خارجية، بل بسبب اجتهادات خاطئة من أشخاص تم تقديسهم واعتبار ما توصلوا إليه هو الحقيقة المطلقة التي لا يسمح بالنقاش فيها.

الطعن في الفلسفة أو أم العلوم

تاريخ الحضارة الإسلامية والعرب بعد الإسلام مليء بالمفكرين والفلاسفة، الذين جمعوا بين الفلسفة وعلوم أخرى متفرعة منها مثل الرياضيات وعلم الفلك والطب.

وبطبيعة الحال كان ذلك سببا جوهريا في تقدم العرب والمسلمين وتفوقهم في الكثير من العلوم، إلى أن أعلن جيل متشدد من المسلمين حربهم على الفلسفة.

ويعد كتاب “تهافت الفلاسفة” من كتاب الإمام الغزالي، ضربة موجعة للفلسفة، ورغم أنه خصص الكتاب للطعن في مذاهب الفلسفة واعمالهم العقل لإدراك الحقيقة، ونصح الفلاسفة بالبقاء في المسائل القابلة للقياس والملاحظة مثل الطب والرياضيات والفلك، إلا أن ذلك أسس لأجيال من المسلمين والعرب يكرهون الفلسفة ويرون أنها بدون فائدة.

وبطبيعة الحال فالطعن في أصل العلوم هو الطعن في بقية العلوم، لهذا السبب انتشر التواكل والخرافات وابتعد الناس عن اصلاح المشاكل بالحلول العملية والعلمية، ولجأ المتدينون إلى الدعاء بدون الأخذ بالأسباب.

إقرأ أيضا:طرد عبد الصمد ناصر مذيع الجزيرة ومعضلة الإستبداد العربي

 تعزز دراسة الفلسفة قدرات الشخص على حل المشكلات، وتساعدنا في تحليل المفاهيم والتعاريف والحجج والمشاكل، وهي تساهم في قدرتنا على تنظيم الأفكار والقضايا، والتعامل مع الأسئلة ذات القيمة، واستخراج ما هو ضروري من كميات كبيرة من المعلومات.

وتوفر الفلسفة التدريب على بناء الصياغات الواضحة والحجج الجيدة والأمثلة المناسبة، وبالتالي فهي تساعدنا على تطوير قدرتنا على الإقناع.

نتعلم بناء وجهات نظرنا والدفاع عنها، وتقدير المواقف المتنافسة، والإشارة بقوة إلى سبب اعتبار وجهات نظرنا أفضل من البدائل.

 يمكن تطوير هذه القدرات ليس فقط من خلال القراءة والكتابة في الفلسفة، ولكن أيضًا من خلال الحوار الفلسفي، داخل وخارج الفصل الدراسي، والذي يعد جزءًا من تعليم فلسفي شامل.

اليوم معظم الآراء التي يتبناها العرب والمسلمين إما أنها موروثة أو مستوردة، وقدرات التفكير البناء والنقد الذاتي ضعيفة، كما ان التفكير من أجل حلول جديدة ملائمة للمشاكل الجديدة غائبة، ودائما ما ينادي الغالبية بتبني الحلول القديمة الموروثة عن السلف الصالح، مع أن السلف الصالح اجتهدوا في حل مشكلاتهم.

وتشجع الفلسفة أيضا على تنوع الأفكار وتعدد المدارس وهي من أساسيات الإبتكار وإيجاد حلول جديدة وابتكار أدوات جديدة، لكن مع تراجعها أيضا وقمعها، يتم قمع حرية التعبير والتدين وبقية الحريات التي تعد جزءا مهما من النهضة.

اليوم أصبح العرب والمسلمون مثل القطيع، يكررون مثل الببغاوات ما حفظوه من التراث الإسلامي والعربي، وعاجزين عن إضافة أي شيء جديد إليه.

إقرأ أيضا:ماذا يفعل الجيش المصري في الصومال ولصالح من سيقاتل؟

الطعن في الشطرنج واعمال العقل

يدور الشطرنج عن حلم العقل للسيطرة على المصير، وقد تم تطوير هذه اللعبة في الهند وبلاد فارس في القرن السادس، وتم إتقانه في العصر الذهبي الإسلامي، وهو عنصر أساسي في الحياة الفكرية الأوروبية من حب البلاط لفرسان العصور الوسطى إلى طاولات المقاهي الباريسية لجان بول سارتر ومارسيل دوشامب.

بينما تبدو أنها مجرد لعبة، إلا أنها لا تتعلق بالحظ فهي ليست مثل ألعاب النرد والقمار، بل تتعلق بالقدرة على استخدام العقل بالشكل الصحيح للتغلب على الآخر.

وتعد كتب التراث الإسلامي مثل “معرفة السنن والآثار” للإمام المحدِّث البيهقي شاهدة على انتشار الشطرنج في المجتمع الإسلامي، حتى أن عدد منهم كان يلعبها استدبارا.

لكن لاحقا جاء ابن القيم وعدد من الأئمة والعلماء المسلمين وقادة المذاهب الأربعة بفتاوى تحريمها واعتبارها أسوأ من النرد وأكثر شرا منها.

ويعد كتاب تحريم النرد والشطرنج والملاهي لمؤلفه أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي، شاهدا على التحريم القاطع لهذه اللعبة.

ثم جاءت أجيال من المسلمين والعرب لا يحبون الشطرنج، بل ألعاب النرد والطاولة وألعاب أخرى كلها تعتمد على الحظ والربح السريع، وألعاب الفيديو مثل ببجي وفري فاير التي تظل أقل تطلبا لإعمال العقل.

إقرأ أيضا:ماذا يفعل الجيش المصري في الصومال ولصالح من سيقاتل؟

ويسيطر على بطولات الشطرنج في العالم أبناء الغرب وروسيا والصين والهند، وتنفق الحكومات في تلك الدول أموالا لتجهيز نخب ومحترفين في هذه اللعبة التي شهدت أيضا على التنافس الأمريكي الروسي في زمن الحرب الباردة.

ومن الواضح أن الطعن في الشطرنج لم يكن طعنا في تلك اللعبة لوحدها بل في اعمال العقل والتفكر والسيطرة على مجريات الحياة عوض لعب دور الضحية والمفعول به، لذا لا عجب أن الأمة لا تستطيع أن تحدد مصيرها وهي مهووسة بفكرة المؤامرة ولعب دور الضحية.

إقرأ أيضا:

أفضل لعبة شطرنج اون لاين للكمبيوتر والجوال

دروس من الشطرنج في ريادة الأعمال والحياة

فوائد لعبة الشطرنج للكبار والأطفال

معاني قطع الشطرنج والعناصر المهمة في اللعبة

السابق
نتنياهو في كلمة مطولة حول “التسريبات الأمنية”: “حملة تصيد موجهة”
التالي
هل الكائنات الفضائية موجودة؟