انتهى الإستعمار الغربي لأفريقيا منذ عقود، وتراجع نفوذ القوى الغربية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا واسبانيا والبرتغال) كما تغيرت نظرتها للعلاقات الدولية وتعتبر الدول الأفريقية دول مستقلة وذات سيادة.
لكن اليوم هناك ما يسمى الإستعمار الجديد في أفريقيا وتمثله قوى صاعدة جديدة تريد أن تجرب حظها، وربما تنسخ ما فعله الأوروبيون في الماضي، وعلى رأسها روسيا والصين.
في الحرب الروسية الأوكرانية اختارت معظم دول أفريقيا الحياد لكنها حافظت على علاقات جيدة مع موسكو، في هذا الوقت تنتشر الدعاية الروسية التي تستهدف الغرب من خلال التأكيد على ان تلك القوى هي التي تهدد سيادة واستقلال دول أفريقيا.
في هذه الفترة التي تبحث فيها روسيا عن منقذ من العقوبات الغربية، تحولت المنطقة الأفريقية إلى أحد أولويات الدبلوماسية الاقتصادية في إستراتيجيتها للأمن القومي.
دعاية الإتحاد السوفياتي التي أسست أركان الفكر الشيوعي في القارة السمراء
مع صعود الإتحاد السوفياتي وفي المقابل الولايات المتحدة الأمريكية، دعم البلدين تحرر الشعوب ورفاهية المستعمرات لكن كل واحدة منهما لديه رؤيته الخاصة.
بالنسبة للولايات المتحدة فهي تدافع عن الديمقراطية وحرية الفرد والإنتخابات وتعدد الأحزاب والسوق الحر ومبادئ العلمانية التي تأسست عليها الدولة الحديثة، في المقابل يدافع الإتحاد السوفياتي عن الشيوعية والاشتراكية وأهمية الدولة والتحرر من الاستعمار إلى دول اشتراكية شيوعية.
إقرأ أيضا:عام صعود اللاإنجابية مع انهيار قيمة التوالدوبالطبع ذهبت الكثير من النخب الأفريقية للجامعات سواء في دول الغرب ودرست الإشتراكية والشيوعية والأنظمة الحديثة وتأثر الكثير منها بالشعارات الماركسية وعندما عادو إلى بلدانهم دافعوا عن الإستقلال والمقاومة وبناء دول اشتراكية مستقلة.
أحد هؤلاء هو أكثر الديكتاتوريين دموية، بول بوت، الذي درس في باريس ثم حكم كمبوديا من 1975 إلى 1982، والذي تنبت دولته الشيوعية والإشتراكية وقمعت الشعب المستقل.
شجع الإتحاد السوفياتي تحرر الشعوب ليس من أجل التحرر ولكن لنشر الشيوعية في العالم، وقد اختارت الكثير من الدول بما فيها العربية هذا الإتجاه وكانت هناك انقلابات واسقاط للملكيات، وقد حدث ذلك في مصر والجزائر وليبيا والعراق وسوريا والقائمة طويلة.
حتى إسرائيل دعمها الإتحاد السوفياتي كي تكون دولة شيوعية إلا انها اتجهت غربا، لهذا دعم الإتحاد السوفياتي العرب في بداية توتر علاقتهم مع إسرائيل قبل أن يتخلى عنهم.
بعبارة أخرى حتى قبل إنشاء الدول الأفريقية المستقلة، كان لدى هذه المجتمعات بالفعل أشخاص قادرون على نشر الأفكار الشيوعية، نفوذهم تسارع مع انهيار الإمبراطوريات، تقع هذه الفترة في عهد نيكيتا خروتشوف، حيث بدأت الاستثمارات النشطة في توفير التعليم السوفيتي للأشخاص من إفريقيا.
كانت الدعاية السوفياتية في القارة السمراء تستهدف بشكل رئيسي دعم الحركات التحررية الوطنية والثورات المضادة للإمبريالية في أفريقيا.
وكانت هذه الدعاية تنتشر من خلال الإعلام المختلف، بما في ذلك وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، وكذلك من خلال زيارات الشخصيات السياسية والثقافية والاقتصادية السوفياتية إلى دول القارة السمراء.
إقرأ أيضا:لماذا فشلت الثورات العربية وانتصر بشار الأسد؟كان الاتحاد السوفياتي يدعم بشكل كامل الحركات التحررية الوطنية في أفريقيا، ويعتبر نفسه شريكاً مع هذه الحركات في مواجهة الاستعمار والإمبريالية، وكان يتم الترويج لهذه الحركات من خلال وسائل الإعلام المختلفة وزيارات الشخصيات السياسية السوفياتية.
كانت الدعاية السوفياتية تروج لفكرة الثورة الاجتماعية والاقتصادية في أفريقيا، وتعرض تجربة الإتحاد السوفياتي في هذا المجال كنموذج يمكن تحقيقه، وكان يتم الترويج لهذه الفكرة من خلال الإعلام المختلف وزيارات الشخصيات السوفياتية.
كان الاتحاد السوفياتي يروج لفكرة التعاون الثقافي والتعليمي مع دول القارة السمراء، وكان يقدم المساعدات المختلفة في هذا المجال، وكان يتم الترويج لهذه الفكرة من خلال زيارات الشخصيات الثقافية السوفياتية والمساعدات المقدمة.
إلى يومنا هذا لا تزال القومية واليسارية والشيوعية والإشتراكية من الأفكار القوية في القارة السمراء والتي لا يزال يرددها الناس رغم أنها جاءت بالديكتاتوريين والعسكريين إلى الحكم وأنظمة فاشلة اقتصاديا.
الدعاية الروسية في أفريقيا حاليا
تروج الدعاية الروسية لفكرة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين روسيا ودول أفريقيا، وتشجيع الاستثمارات الروسية في القارة السمراء، وذلك من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا والموارد الطبيعية.
وتعتمد الدعاية الروسية في أفريقيا على وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، وكذلك من خلال زيارات الشخصيات السياسية والثقافية والاقتصادية الروسية إلى دول القارة السمراء.
إقرأ أيضا:شبكات الجيل الخامس وهدف تأمين الغذاء ومحاربة تغير المناخوتركز روسيا حاليا على شيطنة فرنسا والمستعمرين القدماء وتشجيع العسكريين والجهات ذات النفوذ على تنفيذ الإنقلابات العسكرية وجلب مسؤولين موالين لها وهو ما يحدث حاليا في النيجر.
الرئيس الحالي لهذه الدولة الأفريقية جاء إلى سدة الحكم من خلال الديمقراطية، وهو شخص على علاقة جيدة مع فرنسا، لكن نتيجة الدعاية الروسية، حدث الإنقلاب العسكري والذي يفترض أن يأتي إلى سدة الحكم سلطة موالية لروسيا تسمح بانتشار مرتزقة فاغنر.
تستخدم الدعاية الروسية العديد من الوسائل للتأثير على الرأي العام في أفريقيا، بما في ذلك وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية، وقد يؤدي ذلك إلى تشويش الصورة الحقيقية للأحداث في العالم وتأثيرها على السياسة الخارجية للدول الأفريقية.
تقدم روسيا نفسها اليوم على انها قادرة على تنمية أفريقيا والرفع من شأنها عالميا وأنه يجب ان يكون لها مقعد في مجلس الأمن ومجموعة العشرين وما إلى غير ذلك من المؤسسات الدولية، كما أيضا تروج على نطاق واسع لعمليات شطب الديون والتي تقوم بها دول مختلفة أخرى مثل الولايات المتحدة والصين والإتحاد الأوروبي.
إقرأ أيضا:
ما هي فلسطين الروسية التي باعها الإتحاد السوفياتي لإسرائيل؟
هل تنجح روسيا في احتلال أفريقيا بعد محاولتها الفاشلة 1889؟
عن فشل القمة الروسية الأفريقية وعزلة روسيا المتزايدة
ما هي الوحدوية الروسية التي يؤمن بها فلاديمير بوتين؟
أطماع روسيا بوتين تعيدنا إلى الحركة الإستعمارية الروسية الكبرى
روسيا لا تزال دولة استعمارية وهذه حقائق عن الإحتلال الروسي
ارتفاع أسعار القمح 8.5%: روسيا تضرب الأمن الغذائي العالمي
عواقب انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية
حقائق حول ممر سوالكي بين بولندا وليتوانيا وتهديدات روسيا
من انقلاب فاغنر إلى انقلاب تركيا على روسيا بوتين المتهالكة
موقف روسيا بوتين والصين من غزو العراق 2003
هل روسيا ظالمة أم مظلومة؟ هذا رأي صديق بوتين