كل هذا الصراع الداخلي في إسرائيل وهذه الإحتجاجات والمظاهرات، هي صراع للدفاع عن علمانية إسرائيل ضد مشروع الدولة اليهودية التي تقصي العرب والمثليين وتفرض النقاب على النساء.
لا يمكن اعتبار إسرائيل دولة علمانية بالمعنى الكامل للكلمة، حيث أنها تمتلك طابعًا دينيًا وثقافيًا قويًا في الحياة اليومية، ومع ذلك، فإن إسرائيل تمتلك نظامًا ديمقراطيًا يضمن حرية المعتقد والدين والعقيدة للجميع، وهو ما يشير إلى أنها تتبنى مبدأ الفصل بين الدين والدولة.
ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل تواجه تحديات في تحقيق المساواة الدينية والتعددية الثقافية، حيث يشعر بعض الأقليات الدينية والثقافية بتمييز وعدم المساواة في بعض الجوانب الحياتية، مثل الحصول على الموارد والفرص العمل والتعليم.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تعمل على تحسين هذه الأوضاع وتشجيع التعددية والحوار بين الثقافات والديانات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.
وبينما تعد القدس مدينة كئيبة بسبب المواجهات بين المتطرفين اليهود والمسلمين، ومنطقة دينية يتصاعد فيها التوتر يوميا، فإن تل أبيب وحيفا ومدن الداخل الإسرائيلي تعيش حالة من التعايش العلماني بين اليهود وعرب 48 وكذلك الفلسطينيين الذين يأتون من الضفة وغزة للعمل في إسرائيل.
تعتبر إسرائيل واحدة من الدول الديمقراطية في الشرق الأوسط وفي العالم بشكل عام، وتستند نظامها السياسي إلى الدستور والقوانين الموضوعة، وتتمتع الحكومة والمجلس الوطني الإسرائيلي (الكنيست) بالسلطة التشريعية، ويتم انتخاب الكنيست بشكل دوري بالإضافة إلى الرئاسة والحكومة.
إقرأ أيضا:لهذه الأسباب ينبغي أن يتجاهل المغرب دعوات إلغاء التطبيع مع إسرائيلوتتمتع اسرائيل بحرية الصحافة والتعبير، ويحظى المواطنين بحرية الدين والمعتقد والتجمع وغيرها من الحريات الأساسية، وتوفر إسرائيل حماية لحقوق الأقليات وتشجع التعددية الثقافية، وهي تدعم النشاطات الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية في المنطقة.
ومع ذلك، فإن إسرائيل تواجه تحديات في تحقيق المساواة الاجتماعية والإقتصادية والدينية بين جميع المجتمعات والأقليات العرقية والدينية، وتمتلك إسرائيل نظامًا قضائيًا مستقلًا يعمل على حماية حقوق المواطنين وفرض القانون بطريقة عادلة ومستقلة.
لدى العرب الإسرائيليين، المعروفين أيضًا باسم “عرب 48” نظرًا لأنهم يعيشون في المناطق التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية عام 1948، لديهم أحزاب سياسية في الكنيست الإسرائيلي، وتسمى هذه الأحزاب “الأحزاب العربية”، وتتراوح بين الأحزاب اليسارية والوسطية واليمينية.
وتهتم الأحزاب العربية بالقضايا التي تهم المجتمع العربي في إسرائيل، مثل المساواة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية، والتمثيل السياسي للمجتمع العربي في الكنيست وفي الحكومة، وتسعى الأحزاب العربية أيضاً إلى تعزيز الحوار بين الجماعات العربية واليهودية في إسرائيل وتشجيع التعايش السلمي بينهما.
ومن بين الأحزاب العربية الرئيسية في الكنيست الإسرائيلي، حزب العمل الوحدوي الديمقراطي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والقائمة المشتركة، وتعتبر القائمة المشتركة أكبر تحالف للأحزاب العربية في الكنيست، وتضم أربعة أحزاب عربية مختلفة.
توجد مشكلات بين العلمانيين والمتدينين في إسرائيل بشأن العديد من القضايا، وتتمثل بعض هذه المشكلات فيما يلي:
إقرأ أيضا:فوضى القومية بعد أوهام الخلافة الإسلامية والوحدة العربيةالخدمة العسكرية: يلتزم اليهود الدينيون بالخدمة العسكرية بشكل اختياري، بينما يجب على اليهود العلمانيين والعرب الإسرائيليين أن يلتحقوا بالخدمة العسكرية الإجبارية. وهذا يثير الجدل في المجتمع الإسرائيلي بشأن العدل والمساواة في التحمل الوطني.
الحياة الدينية في الحياة العامة: يعتقد العلمانيون في إسرائيل أن الدين يجب أن يكون شأنًا خاصًا بالأفراد ولا يؤثر على الحياة العامة، بينما يرون المتدينون أن الدين يجب أن يكون جزءًا من كل جانب من جوانب الحياة العامة.
الأسلوب الديني للحكم: يرون العلمانيون في إسرائيل أن الحكومة يجب أن تكون منفصلة تمامًا عن الدين، بينما يرون المتدينون أن الحكومة يجب أن تتبع القيم الدينية والشريعة اليهودية.
التعليم: يختلف العلمانيون والمتدينون في إسرائيل في الرؤية التعليمية، حيث يرون العلمانيون أن الأساليب التعليمية يجب أن تكون مستقلة عن الدين، بينما يرون المتدينون أن التعليم يجب أن يتبع القيم الدينية.
لكن اليوم إسرائيل بقيادة حكومة نتانياهو تريد القيام بتعديلات دستورية تستهدف تقليص صلاحيات المحكمة العليا التي تضمن الديمقراطية وفصل السلطات في الدولة الإسرائيلية.
تعتبر المحكمة العليا في إسرائيل هي أعلى محكمة في البلاد، ولها صلاحيات واسعة في العديد من المجالات، وتشمل هذه الصلاحيات ما يلي:
الرقابة القضائية: تتمتع المحكمة العليا بصلاحية الرقابة القضائية على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الأخرى في البلاد، ويمكن لها إلغاء الأحكام التي تعتبر غير دستورية.
إقرأ أيضا:ما هي الصحوة الإسلامية الحركة التي تحتضر حاليا؟القضايا الدستورية: تتمتع المحكمة العليا بصلاحية النظر في القضايا الدستورية وتفسير الدستور الإسرائيلي، ويمكن لها إصدار أحكام بشأن دستورية القوانين والأحكام الأخرى الصادرة عن الحكومة والكنيست.
القضايا المدنية والجنائية: تتمتع المحكمة العليا بصلاحية النظر في القضايا المدنية والجنائية التي تصل إليها بشكل مباشر، ويمكن لها إصدار أحكام نهائية في هذه القضايا.
القضايا الإدارية: تتمتع المحكمة العليا بصلاحية النظر في القضايا الإدارية والطعن في القرارات الإدارية الصادرة عن الحكومة والمؤسسات العامة.
قضايا الحقوق الإنسانية: تتمتع المحكمة العليا بصلاحية النظر في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والمواطنة، ويمكن لها إصدار أحكام بشأن حقوق المواطنين والمقيمين في إسرائيل.
ويمكن للمحكمة العليا في إسرائيل أن تلعب دورًا هامًا في تطوير القوانين وتحديثها والمحافظة على حقوق المواطنين والعدالة في البلاد.
خلال وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية أنها ستدرس استئنافًا ضد القانون الجديد الذي يحد من سلطاتها، ويضعها في مواجهة الحكومة اليمينية التي تسعى لتعديل النظام القضائي.
وقد وافق الائتلاف الحاكم، الاثنين، على تعديل يحد من سلطة المحكمة في إبطال القرارات الحكومية والوزارية، مما أثار احتجاجات جديدة في البلاد.
وقالت المحكمة إنه سيتم تحديد جلسة للاستئناف في سبتمبر، ولم تصدر أي قرار قضائي بعد ضد القانون الجديد، وقد تقدمت جماعة مراقبة سياسية ونقابة المحامين في إسرائيل بطلب للمحكمة للتدخل في هذه القضية.
ويحاول الائتلاف الحاكم في إسرائيل تقليص بعض سلطات المحكمة العليا، وتحديدًا سلطتها في إبطال القرارات الحكومية والوزارية التي يعتبرها “غير معقولة”.
وتتيح هذه السلطة للمحكمة العليا إمكانية إلغاء القرارات التي تتعارض مع الدستور الإسرائيلي أو مع حقوق المواطنين والمقيمين في البلاد.
ومن خلال تقليص هذه السلطة، يسعى الائتلاف الحاكم إلى تعديل النظام القضائي في إسرائيل وتقليص دور المحكمة العليا في الرقابة على الحكومة والحفاظ على حقوق المواطنين.
هذا يعني أن الحكومة المتطرفة يمكنها تمرير قوانين تنتهك حرية عرب 48 والمثليين وكذلك الحريات الفردية للإسرائيليين وحتى الحصول على صلاحيات أوسع للتدخل في القضاء الإسرائيلي المستقل.
لهذا السبب تستمر الاحتجاجات في إسرائيل والإضرابات وهناك غضب داخلي واحتقان سياسي كبير، وتبدو هذه لحظة مفصلية في تاريخ الدولة الديمقراطية الحديثة، ومن شأن سقوط هذا النظام أن يكون مدخلا لبناء دولة يهودية دينية مستبدة في المنطقة.
إقرأ أيضا:
دور مصر في تصدير الغاز الاسرائيلي الى أوروبا
أعداء الديمقراطية والعلمانية في الهند وإسرائيل والعالم العربي والإسلامي
عبد الملك بن مروان: عندما انتصرت العلمانية على الدين في السياسة
السعودية نحو العلمانية باستثناء مكة والمدينة بقلم الإقتصاد
السر وراء موضة حرق القرآن الكريم وإهانة النبي محمد