من أجل فهم العلاقة المضطربة بين الهندوس والمسلمين، يجب أن نعود إلى تاريخ الصدام الإسلامي الهندي الذي أربك العلاقات الهندية العربية العريقة.
لأن الهند تطل على بحر العرب، كانت هناك تجارة هندية عربية منذ القدم، خصوصا في سلطنة عمان والبحرين، وقد ازدهر تواجد التجار الهنود في المنطقة، كما أن الحضارة الهندية من أكثر الحضارات التي احتك بها سكان شبه الجزيرة العربية.
لكن عندما أصبح للعرب امبراطورية خاصة بهم وهي الخلافة الإسلامية، اتجهوا شرقا وأسقطوا فارس التي تعد أقوى قوة إلى جانب الروم، ثم وصلوا إلى شبه الجزيرة الهندية.
استغرقت الفتوحات الإسلامية سنوات طويلة، لمدة 500 عام تمكن المسلمون من السيطرة على الهند وكانت النتيجة مقتل 80 مليون هندي وحرق الكثير من المعابد وتدمير التراث الهندي.
ولا شك أنك سمعت بالصدامات العنيفة التي تحدث اليوم في الهند بين الهندوس والمسلمين، خصوصا اليمين المتطرف من الجانبين.
عندما منحت بريطانيا الهند وباكستان الإستقلال كانت فكرتها هي أن يكون هناك دولة للهندوس ودولة للمسلمين بجانبها، وتجنبا للصراعات الأهلية، لكن رغم امتلاك المسلمين لأكثر من دولة في شبه القارة الهندية إلا أن الكثير منهم يرفضون النزوح إلى باكستان أو بقية الدول.
هناك اليوم 200 مليون مسلم يعيشون في الهند وهذا العدد يقترب من عدد سكان باكستان الإسلامية التي تجاوز عدد سكانها 230 مليون نسمة، ويشكل اليوم المسلمين في الهند ما نسبته 18%، فيما باكستان هي دولة إسلامية لا يتجاوز الهندوس فيها نسبة 4% في أفضل الأحوال.
إقرأ أيضا:خطة بناء دولة فلسطينية مزدهرة بحلول 2038ولقد لاحظنا في الأشهر الماضية دعم الكثير من الهندوسيين على الشبكات الاجتماعية لإسرائيل في حربها ضد حماس، وهذا الدعم ليس حبا في الإسرائليين ولا كرها للفلسطينيين انما استفزازا لمسلمي الهند.
بما أن بريطانيا صدمت الهندوس بدعم انفصال باكستان عنها، ومن ثم الإعتراف الدولي بانفصال بنغلاديش هي الأخرى في أواخر القرن الماضي، فهي صدمت العرب بدعم استقلال إسرائيل ودعمها لظهور الدولتين، وهو ما كان يرفضه العرب قبل أن يعيدوا حساباتهم في العقود الأخيرة.
ومن خلال دعم الهندوس لإسرائيل على الشبكات الاجتماعية يحاولون استفزاز مسلمي الهند الذين قرروا الوقوف إلى جانب حماس وفلسطين وكأنها مباراة كرة قدم بين فريقين.
ومثل أتباع بقية الديانات ينقسم الهندوس إلى طوائف ومذاهب وفرق، منها الفرق التي تدعم التعايش مع المسلمين، وهناك تيار يميني قومي يذكر الهندوس بجرائم الخلافة الإسلامية في الهند ويدعم طرد المسلمين من الهند.
من جهة أخرى انقسم المسلمين هناك إلى فريقين، فريق متعايش مع الهندوس والهنود ولا يسيء إلى رموزهم الدينية، وفريق يحاول فرض الدين الإسلامي على الهند ذات الغالبية الهندوسية.
ويسيطر المتطرفون من الجانبين على المشهد الديني في الهند وهو ما يهدد الأمن الاجتماعي والقومي لهذا البلد الصاعد بقوة اقتصاديا والذي يطمح لتجاوز منافسيه الأسيويين اليابان والصين.
ويعتبر عدد من الشخصيات والأطراف ان بريطانيا ساهمت في هذه الفوضى، وحسب تعبير شاشي ثارور، البرلماني الهندي: “لقد أدى المشروع الاستعماري تحت شعار “فرق تسد” إلى إثارة العداءات الدينية لتسهيل استمرار الحكم الإمبراطوري، وقد وصل إلى ذروته المأساوية في عام 1947″.
إقرأ أيضا:الوباء تمهيد لما هو أعظم … المجاعةويذهب بعض الأكاديميين إلى أبعد من ذلك، قائلين إن الهويات الدينية للهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية قد شيدت من قبل البريطانيين، وعلى هذا النحو، كان الصراع اللاحق بين هذه المجموعات نتيجة لهذه السياسة، وأن هناك انسجام بين الهندوس والمسلمين قبل الاحتلال البريطاني.
ليس هناك شك في أن جوانب الثقافتين الهندوسية والإسلامية، وخاصة الفارسية والتركية، غالبًا ما أثرت على بعضها البعض، وكما يُشار في كثير من الأحيان، “على مستوى القرية… كان الهندوس والمسلمون يتقاسمون نطاقًا واسعًا من العادات والمعتقدات، وفي بعض الأحيان كانوا يعبدون معًا نفس القديس أو المكان المقدس”.
لكن فكرة الإنسجام والوحدة المجتمعية تتعارض مع الأدلة التاريخية والأدب المحلي، كان تقسيم الهند والصراع على كشمير، وهي ولاية أميرية ذات أغلبية مسلمة تحكمها أسرة هندوسية، مدفوعاً بالمصالح والفلسفة المحلية، بما في ذلك نظرية الأمتين، التي رأت أن مسلمي الهند البريطانية يجب أن يُمنحوا بلدهم الخاص.
تقول سينثيا تالبوت، المؤرخة التي تركز على الهند ما قبل الاستعمار، إنه على الرغم من أنه “لا يمكن لأحد أن ينكر أن التحديث أدى إلى توضيح أكثر دقة للهويات التي تشمل مجتمعات واسعة … فإن الهويات الحديثة لا تتشكل بشكل كامل من العدم. إنهم يستخدمون عادة الأساطير والرموز لأشكال الهوية السابقة التي قد تكون أقل وضوحًا وأكثر تقييدًا في التداول ولكنها مع ذلك هي نواة أولية للعرق”.
إقرأ أيضا:سياسة بريطانيا في الخليج العربي وموقفها من ايران والصينكتبت في كتابها الهند قبل أوروبا: “على الرغم من أن المعتقدات والممارسات الدينية في الهند لم تكن ممنهجة أبدًا من قبل مؤسسة مركزية أو سلطة روحية، إلا أن انتشار اللغة السنسكريتية والبراهمة في جميع أنحاء شبه القارة الهندية أنتج بعض مظاهر الثقافة الدينية الموحدة في العصر الحديث”.
ويرى باحثون آخرون أن وصول “الآخرين” المسلمين وغزوهم أدى إلى تجسيد التقاليد المحلية المختلفة المرتبطة بها على أنها هندوسية، وهي عملية بدأت قبل وقت طويل من وصول البريطانيين، وهكذا، كان هناك وعي ذاتي لدى السكان الأصليين بتقاليد محلية متميزة عن الإسلام الذي تم تقديمه حديثًا، على الرغم من أن مصطلح الهندوسية لم يكن موجودًا بشكل كامل بعد.
ومن ناحية أخرى، كان الإسلام، مثل المسيحية، أكثر وعياً بهويته المتميزة والإقصائية في كثير من الأحيان منذ بدايته، على الرغم من الممارسات الروحانية المحلية، كانت معظم النخب الإسلامية في جنوب آسيا مدركة بقوة لهويتها الثقافية الفريدة مع تأثير كبير من الشرق الأوسط منفصلة عن الهندوس المتمركزين في شبه القارة الهندية.
وعلى هذا فإن الانقسام بين الهندوس والمسلمين في الهند ليس خطأ أو مؤامرة من أحد، بل هو نتيجة طبيعية لنشوء ثقافة سياسية جماهيرية، والسبب في هذا الانقسام هو أن الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية استخدموا بشكل طبيعي نقاط مرجعية مختلفة عند الإعتماد على التاريخ للتعبير عن أهدافهم الاجتماعية والسياسية وبناء هوياتهم الحديثة.
وتعد الهند دولة علمانية دستوريا، وهو ما يعني أن القانون يحمي حرية التعبد في هذا البلد ويتيح مساحة واسعة للتعبير عن الآراء الدينية، لكن هذا النظام مهدد من المتطرفين.
إقرا أيضا:
جرائم الغزو الإسلامي والإحتلال البريطاني في الهند
أهم الديانات والفلسفات في الهند أو أرض الروحانيات
قوة الفلسفة الهندية وسر ازدهار الأفكار الهندوسية
الهند هي مصنع العالم الجديد بدعم أمريكي اماراتي
مقارنة بين أداء البورصة الهندية والأسهم الأمريكية
الهند هي المستقبل وليس الصين