دائما ما يقال أن سبب صراع قابيل وهابيل هو الصراع على النساء، إذ تقول الخرافة الموجودة في التراث أن هابيل أراد أن يتزوج أخت قابيل إلا أن الأخير أراد أخته لنفسه، فطلب منهما سيدنا آدم أن يقدما قربانا للفصل في نزاعهما.
تضيف الخرافة المبنية على بعض المعلومات الصحيحة وأخرى متعارضة تماما مع القرآن، أن هابيل وهو صاحب الغنم قدم غنما سمينة فتقبل الله منه، بينما قدم شقيقه زرعا رديئا ولم يتقبل منه، وقد غضب قابيل وخطط حينها لقتل أخيه.
لكن رواية القرآن لهذه القصة والتي تبدأ بعبارة مهمة “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ” في الآية 27 من سورة المائدة تخبرنا بشيء مختلف تماما.
آية صراع قابيل وهابيل:
قال تعالى في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَلَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَإِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَفَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَفَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في الأرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءة أَخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ}.
إقرأ أيضا:مبادرة الشرق الاوسط الأخضر بقيادة السعودية لمواجهة التغير المناخيالقربان التي يمثلها الزكاة حاليا:
من المعلوم أن الله قد فرض عبادته على البشرية من أولها إلى آخرها، ولم يكن جيل آدم وأبنائه استثناء، فإلى جانب الصلاة والدعاء والإمتثال لأوامر الله، كانت هناك زكاة، لكن المشكلة أن الزكاة لم تكن ممكنة بمفهومها الحالي حينها، لذا سميت بالقربان وهي تقدم لله وتأتي النار لتأخذ قربان الشخص المتقبل منه.
مثل المنافسة بين المسلمين والعباد في الطاعات فإن قابيل وهابيل تنافسا في هذا الجانب، إلا أن قابيل فشل في تقديم قربانا جيدا وقدم زرعا رديئا لكونه مزارعا، وكان هذا ابتلاء من الله له، والذي يعرف أن في نفسه الحسد والبغض والرغبة في التفوق ولعب إبليس لعبته بينهما.
لأنه لم يتقبل الله منه قربانه، غضب قابيل واتضح الحسد الموجود بداخله وتجلى في غضبة انتهت بقتل أخيه ثم ندم على ذلك.
الرواية القرآنية واضحة:
عندما تقرأ تلك الآيات التي يحكي فيها الله سبب صراع قابيل وهابيل تدرك أن هناك روايات سابقا جاء القرآن ليكذبها، وأهمها الرواية المنتشرة حاليا والتي جاءت من التراث اليهودي.
{وَاتْلُ} لا يخلو من إشعار بأنَّ نبأ هذه القصة كما هو معروف في الوسط الديني اليهودي لا يخلو من تحريف وإسقاط، وأن تلك الرواية التي انتشرت على نطاق واسع مزيفة.
إقرأ أيضا:روسيا المنافقة رائدة في تأجير الرحم لصالح المثليينللأسف رغم مرور أكثر من 1400 عاما على نزول القرآن لا تزال رواية صراع قابيل وهابيل على الأخت الجميلة وأن النساء سبب الفتنة شائعة وهي مدعومة بقوة من المجتمعات المحافظة التي تنظر إلى المرأة باحتقار وأنها سبب خروج آدم من الجنة.
اطلعت على العديد من التفسيرات لهذه الآيات ووجدت إلى جانب الرواية القرآنية قد أضيف إليها حديث منسوب للرسول يؤيد الرواية الموجودة في الفصل الرابع من سفر التكوين والتي يمكنك الإطلاع عليها من هنا.
تفسير ابن كثير لهذه الآيات والذي يمكنك قراءته من هنا ذكر فيه حديث مطول للرسول يتطابق تماما مع الرواية الشائعة قبل نزول القرآن والتي تم تكذيبها من الله.
إقرأ أيضا:صراع الهندوس والمسلمين مفتاح جحيم الحرب الأهلية في الهندلكن للأسف إلى يومنا هذا لا تزال الرواية التي كذبها القرآن هي الشائعة، ويعلمها الناس لأبنائهم، ويرددها الجميع كالببغاوات.
لهذا السبب ترتفع أصوات العقلاء في السنوات الأخيرة بضرورة مراجعة التراث الإسلامي وتنقيته من الخرافات والتفسيرات الخاطئة، فهناك من استخدم تلك الأحاديث لمصلحته الخاصة وهناك من ابتدع وكذب على الرسول وجاء بروايات من ديانات أخرى.
ليس عيبا أن يتفق الإسلام والمسيحية واليهودية على قصة أو رواية معينة، لكن عندما ينفي القرآن رواية مسيحية أو يهودية أو غيرها لحدث معين، ينبغي تجاهل تلك الروايات واسقاط أي أحاديث نبوية تؤيدها لأنها أكاذيب.
إقرأ أيضا:
القرآن الكريم يفضل الذهب ثم الفضة في حفظ الثروة وتخزين المال
مشكلة السلفية الوهابية واقتصاد السعودية
إنجاب الأطفال وكذبة السعادة في زمن الربا