من الواضح أن شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تخلت عن أوهام الخلافة الإسلامية والوحدة العربية، فالأولى استبدادية دموية حاولت داعش السنية تطبيقها، والثانية استبدادية يسارية حاول عبد الناصر وحافظ الأسد تحقيقها.
بعد فشل الثورات العربية التي منحت في بدايتها الأمل بالتخلص من الأنظمة العسكرية الإستبدادية وبناء الديمقراطيات، تعيش شعوب المنطقة صدمة حضارية لدرجة أن عدد منها تبحث عن هويتها الحقيقية.
في سوريا يتزايد أنصار الفكرة القائلة بأن الشعب السوري أمة مستقلة ولغتهم هي السريانية، وكذلك الأمر في العراق حيث يتحدث الناس هناك بشكل متزايد عن بابل والسومريون، وفي مصر هناك صعود للتيارات التي تدعو للعودة إلى الحضارة المصرية القديمة وما قبل الإسلام، وفي المغرب هناك دعوات للعودة إلى الحضارة المغربية القديمة بأمازيغيتها وتراثها.
وهذا يعني أننا أمام ظاهرة جديدة وصاعدة، وهي القومية المحلية، وهي مختلفة تماما عن القومية العربية التي دافع عنها عبد الناصر وحافظ الأسد وزعماء اليسار والقومية العربية.
كل شعب يفتخر بماضيه العريق، المغاربة يتحدثون عن أنفسهم بأنهم مغاربة وليسوا عربا أو أمازيغ، والمصريون القوميون لديهم نفس الفكرة وهكذا بالنسبة لبقية الشعوب.
عندما تتصفح هذه الأيام فيسبوك وتلقي نظرة على منشورات هؤلاء أو تتابعهم على تويتر، ستجدهم دائما ما يركزون على التاريخ القديم، امبراطوريات انطلقت من بلدانهم وسيطرت على مناطق شاسعة.
إقرأ أيضا:اندلاع الحرب بين الصين والهند مسألة وقت فحسبكل قومية محلية تذكر الناس بأفضل فترة في التاريخ، فمثلا في مصر الفراعنة والحضارة المصرية القديمة وعجائبها هي فخر كبير للقوميين المصريين، وفي المغرب الإمبراطوريات القديمة التي كانت في هذه الدولة والتي وصلت مداها إلى السنغال هي فخر للقوميين المغاربة.
يحمل هؤلاء شعارات مثل المغرب أولا، السعودية أولا، مصر أولا.. وما إلى ذلك، وهذا يعيد إلى الأذهان الشعار القومي الذي يتغنى به اليميني الأمريكي دونالد ترامب.
هذا يعني أنها موضة عالمية، بالطبع بدأت قبل سنوات في الإتحاد الأوروبي ودفعت بريطانيا إلى الإنفصال عن التكتل، ثم ظهرت في الولايات المتحدة مع دونالد ترامب، وهي أيضا حركة موجودة في روسيا، تدعم فلاديمير بوتين في غزوه لأوكرانيا وتنادي باستعادة بقية الدول التي انفصلت عن الإمبراطورية الروسية.
في تركيا نجد القوميون الأتراك يحاربون العرب، بل ويلجؤون إلى استخدام العنف ضد اللاجئين والمهاجرين على حد سواء، ولطالما سمعنا عن أحداث عنف وقتل واعتداءات أيضا.
حتى الآن لم يصل القوميون الجدد في الدول العربية إلى هذا الحد، لكن أفكارهم المتطرفة بدأت تظهر على السطح، ومنها معارضة تدفق اللاجئين والمهاجرين، وهو أمر رأيناها في تونس والمغرب والجزائر ومصر، كما أن القوميون الكويتيون يحاربون العمالة الأجنبية ويريدون طردها وخفضها، ولطالما رأينا برلمانيون هناك يمارسون العنصرية في خطاباتهم ضد العمالة المصرية تحديدا.
إقرأ أيضا:ما هي قمة كوب 26 وما أهمية مؤتمر المناخ؟في السعودية هناك القوميون الوطنيون، وهم عادة ما يطلبون من القيادة السياسية في البلاد أن لا تتدخل لإنقاذ الدول العربية مثل مصر، وأن تركز على الشراكات والعلاقات التجارية وتبحث عن المصلحة، تحث شعار السعودية أولا.
في المغرب رأينا معارضة قوية لهؤلاء لقانون يتم دراسته حاليا من شأنه أن يسهل على أزواج المغربيات من الجنسيات الأخرى المقيمين الحصول على الجنسية المغربية، هذا إضافة إلى مهاجمتهم الحكومة باستمرار حول موضوع المهاجرين الأفارقة.
في ظل تزايد القومية المحلية في هذه الدول تتزايد معها مشكلة العنصرية المتصاعدة وخطاب الكراهية اتجاه اللاجئين وحتى محاربة الزواج من الجنسيات الأخرى والدعوة إلى الإنغلاق على الذات وهو ما يشكل خطرا على العولمة وتحاور الثقافات والتعايش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إقرأ أيضا:مواقف الملحدين العرب من إسرائيل وحرب غزة في فلسطينوبينما تتعايش حاليا الحكومات مع هذا التيار وتتركها تنمو في الشبكات الإجتماعية، ينبغي الحذر منها، فهي تيارات يمينية عنصرية قد تلجأ إلى العنف خصوصا للسيطرة على الحكم وتنفيذ أجندتها المتطرفة.
إقرأ أيضا:
ثورة الإلحاد وخروج المسلمين من الإسلام أفواجا
ما هي الصحوة الإسلامية الحركة التي تحتضر حاليا؟
هل العلمانية ضد الدين ولماذا يربطها البعض مع الإلحاد؟
ما هو التحرر وما هي تحديات هذه العملية وصعوبتها؟
الإنسان والذكاء الإصطناعي: موعد تفوق المخلوق على الخالق