إنترنت

قصة أزمة فيس بوك خلال عامين ببساطة

قصة 24 شهرا من حياة فيس بوك

لم يعد خفيا على المتابعين لأخبار التقنية حول العالم بأن شركة فيس بوك تعاني منذ أشهر طويلة لأسباب عديدة، وتعد أزمة فيس بوك واحدة من الأزمات المتوقعة والتي أشرت إليها مبكرا وكتبت عنها العشرات من المقالات.

واليوم سأحاول أن ألخصها هنا بالتفصيل كي يكون من السهل على المتابعين الجدد فهم أحداث هذا المسلسل الذي يبدو أنه لن ينتهي عما قريب إذ سيستمر خلال عام 2019 أيضا.

  • الإنتخابات الرئاسية الأمريكية 2016: القطرة التي أفاضت الكأس

كلنا تابعنا الإنتخابات الرئاسية الأمريكية والتي كانت تنافسية بقوة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بشكل غير مسبوق.

كانت معظم استطلاعات الرأي التلفزيونية تتفق على أن هيلاري كلينتون هي التي ستفوز وبأغلبية كبيرة ومريحة.

لكن في ذات الوقت كان لدي حسابي الرسمي على فيس بوك حيث كنت أكتب للمتابعين بأنني أتوقع فوز دونالد ترامب، في وقت يرى فيه كثيرون أنني أراهن على الحصان الخاسر.

لكن كنت على علم حينها بأن التلفزيون التقليدي والصحافة بشكل عام لم تعد مؤثرة، فيس بوك وتويتر والشبكات الإجتماعية هي التي تقود الموجة في الولايات المتحدة والعالم.

عندما فاز دونالد ترامب شعر من صدقوا استطلاعات الرأي التلفزيونية بصدمة قوية، هذه الصدمة شعرت بها وسائل الإعلام التي بدأت بالبحث عن سبب هذه المفاجأة.

إقرأ أيضا:أزمة ارتفاع تكاليف الشحن وتضرر التجارة الإلكترونية
  • توجيه أصابع الإتهام إلى فيس بوك ومنصات الإنترنت

فجأة بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن أن سبب الصدمة هو أن تأثير التلفزيون قد تهاوى وأن الصحافة في واد، والرأي العام في واد آخر.

والسبب واضح، يتابع أغلب الناس الأخبار من خلال فيس بوك ومنصات التراسل الفوري، وهم يتلقون رسائل ويطلعون على المنشورات ويصلون إلى المقالات الإخبارية على المدونات من خلال هذه المنصات، بالتالي فهم يتأثرون بما يقرؤونه ويشاهدونه.

وبما أن فيس بوك يعرض المنشورات بناء على خوارزمية متطورة، فقد اتهم في البداية بأنه يستغل ذلك لإبراز أخبار معينة ويحجب أخرى، واعترف بعض الموظفين السابقين في الشركة بأنها تتلاعب بميزة “المواضيع الشائعة” التي اقتبستها من تويتر.

  • مشكلة الأخبار المزيفة

استعانت أكبر الصحف العالمية بالخبراء ومؤسسات الدراسات التي قامت بأبحاثها في مشكلة أخرى من شأنها أن تتلاعب بالرأي العام، نعم إنها الأخبار المزيفة.

وصلت تلك الدراسات إلى أنه تم نشر الملايين من المنشورات الكثير منها عبارة عن روابط لأخبار مزيفة، منها ما يشوه سمعة هيلاري كلينتون، ومنها ما يستهدف دونالد ترامب.

تم التحقيق في مصدر تلك الأخبار، وتم ايجاد أن الكثير من المدونات التي تنشر الأخبار المزيفة تستخدم أسماء شبيهة بأسماء الصحف العالمية ووسائل الإعلام وتستخدم نفس الشعارات وهي مدونات لأشخاص من أوروبا الشرقية وأيضا من دول أخرى غير أمريكا بمن فيها مدونات انجليزية أنشأها عرب لنشر أخبار مزيفة وتحقيق المال من الزيارات الكبيرة، وهذا مع انتشار ثقافة أدسنس اربتراج.

إقرأ أيضا:السر وراء ظهور متحور كورونا الجديد ومشكلة اللقاح
  • الترويج المدفوع للأخبار المزيفة

لا تعتمد تلك الأخبار على استغلال فضول القراء والعناوين المضللة فحسب، بل إن القائمين على تلك المدونات يروجون لتلك الأخبار من خلال إعلانات فيس بوك لجذب الزيارات وزيادة القراءات وإعادة مشاركتها.

هكذا تمكنت تلك الأخبار من نيل الملايين من المشاهدات بل والإنتشار أكثر من أخبار الصحافة المهنية، والأخبار الصحيحة والموثوقة.

تم اتهام فيس بوك حينها رسميا بأنه يتلقى أموالا مقابل الترويج لتلك الأخبار والمحتويات، وأنه لا يقوم بمنعها ولا حظر الحسابات الإعلانية للمدونات المشبوهة.

  • المعلنين يدفعون ثمن تهورهم

في البداية رفض فيس بوك معالجة المشكلة وقال أنه منصة مفتوحة لكافة الآراء ووجهات النظر وأن المنصة ليس من حقها مراقبة ما يكتبه الناس وحذف ما هو مسيء.

لكن الضغط الإعلامي تجاوز كل التوقعات فقررت الشركة في النهاية العمل على محاربة الأخبار المزيفة، واستعانت بفرق صحفية ومؤسسات محايدة في التدقيق الإخباري لمراجعة الإعلانات خصوصا السياسية والإخبارية.

وظفت الشركة المزيد من المراجعين البشريين لضمان خلو إعلاناتها من هذه المحتويات، ولم تعد توافق على الحملات الإعلانية بسهولة، كما أنها اغلقت الكثير من الحسابات الإعلانية وحرمت عدد كبير من المدونات من ميزة الإعلان المدفوع.

إقرأ أيضا:كل ما نعرفه عن قانون حماية خصوصية البيانات GDPR

وبدأ العاملين في مجال صناعة الأخبار المزيفة وكسب المال من أدسنس والإعلانات في مواجهة مشاكل كبيرة مع حساباتهم الإعلانية لتتداعى مشاريعهم القائمة على الوهم والتضليل.

في النهاية وصلت فيس بوك إلى وضع قواعد جديدة للإعلان السياسي على منصتها، وهي تطبق حاليا سياسة جديدة دخلت حيز التنفيذ في الولايات المتحدة بداية وهي أن يكشف المعلنين عن هويتهم بشكل مفصل ومصدر تمويل إعلاناتهم، مع منع المعلنين الأجانب من استهداف الجمهور الأمريكي بالإعلانات السياسية.

  • مشكلة خطاب الكراهية

سلطت وسائل الإعلام الضوء على مشكلة مهمة على المنصة، منها خطاب الكراهية واتاحة الحرية للناس للشتم والسب ونشر ما يريدونه، وانتشار المحتوى المتطرف على المنصة.

ولطالما امتنعت فيس بوك عن تفعيل الرقابة ومعالجة التبليغات بصورة أفضل مما هو جاري العمل به، وفي النهاية فرضت السلطات الأمريكية والأوروبية والضغوط من الحكومات الأخرى والمشرعين والمنظمات التي تحارب خطاب الكراهية على الشركة التحرك ضد هذه المحتويات.

سيتم تغريم فيس بوك بحوالي 50 مليون دولار في ألمانيا مثلا إذا لم تزل الشركة أي منشور مسيء تطالب الحكومة بإزالته.

وظفت الشركة المزيد من الموظفين في فريق مراجعة التبليغات، كما أنها عززت الذكاء الإصطناعي من خلال تبني ميزة التعرف على الوجوه والمحتويات لمنع نشر فيديوهات ومقاطع فيديو تتضمن مشاهد قتل أو تطرف أو انتحار أو إباحية صريحة.

كما أنها بدأت في محاربة المجموعات والحسابات التي تروج لرسائل كراهية ضد المسلمين في ميانمار، وبدأت ترصد تلك الرسائل وتعمل على ايقاف مشاركتها، خصوصا بعد أن اتهمت الأمم المتحدة الشركة بتسهيل الصراع الطائفي والعرقي في ذلك البلد.

  • التوتر مع المواقع الإخبارية والصحافة الإلكترونية

بعد أشهر طويلة من الجدل حول الأخبار المزيفة وهي المشكلة التي لا تزال المنصات الإجتماعية تعاني منها، أعلن فيس بوك عن خوارزمية جديدة لصفحة آخر الأخبار في شبكتها الإجتماعية، تقلل من أهمية منشورات الصفحات العامة التي تستخدمها وسائل الإعلام عادة لنشر روابط الأخبار لتظهر للمتابعين.

هذه الخوارزمية أضرت كثيرا بالزيارات التي تستقبلها مواقع الأخبار من الشبكة الإجتماعية الأكبر في العالم، وهو ما أغضب الناشرين خصوصا الذين يعتمدون على فيس بوك كمصدر أساسي للزيارات والمشاهدات.

بعض وسائل الإعلام منيت بخسائر كبيرة، كما أن بعض الشباب الذين يعملون في مجال أدسنس اربتراج توقفوا عن العمل في المجال لانهيار الزيارات وعدم اعتمادهم على جوجل ومصادر أخرى، وتم تسريح الكثير من المدونين لصالح منشئي محتوى الفيديو.

شعرت وسائل الإعلام ومجموعات المدونين وأصحاب الصحافات العامة بالخيانة، وبأن فيس بوك يمنعهم من الوصول إلى أغلب المعجبين بل ويفرض عليهم دفع المال للحصول على زيارات جيدة.

كما أن تزايد تكلفة النقرة وتكاليف الإعلانات على فيس بوك زاد الطين بلة، وذهبت الكثير من المؤسسات الصغيرة والناشئة إلى الإعتماد مجددا على الزيارات من نتائج بحث جوجل والوصول المجاني من القنوات الأخرى.

من جهة أخرى أكدت التحقيقات التي تقوم بها وسائل الإعلام والمؤسسات العاملة في المجال، أن فيس بوك يبالغ في الأرقام التي يقدمها في احصائيات إعلانات الفيديو وأنه يعمل على نفخها، حيث لا يوجد أي ربح من ذلك ولا زيارات في المستوى المطلوب.

ولجأ الصحفيين في الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا الغربية إلى المحاكم ضد الشركة، خصوصا وأن فيس بوك لطالما أكدت على أن الناس يفضلون متابعة الأخبار على شكل مقاطع فيديو وليس على شكل مقالات إخبارية لتؤكد أحدث استطلاعات الرأي والدراسات بأن العكس هو الصواب.

التهمة الموجهة لفيس بوك هو التلاعب بوسائل الإعلام وبمؤسسات الأخبار ودفعها لتقليل استثماراتها في المحتوى الإخباري المكتوب لصالح مقاطع فيديو لا تحظى بنفس الشعبية والإنتشار بل والتأثير سلبيا على عائداتها وأرباحها.

  • انتهاكات خصوصيات المستخدمين واختراقات متعددة

تطورت أزمة فيس بوك لتصل إلى مستوى أسوأ من السابق مع تواصل تحقيقات المتخصصين ووسائل الإعلام في كيفية تأثير هذه المنصة على آراء المستخدمين وتغيير قناعاتهم.

واهتزت الثقة بهذه الشركة مع الكشف عن فضيحة كامبريدج أناليتيكا وهي الشركة التي حصلت على بيانات أكثر من 85 مليون مستخدم من خلال تطبيق للإختبارات على المنصة، واستخدمتها لصالح دونالد ترامب في الإنتخابات الأمريكية.

هذا فتح الباب لمراجعة الصلاحيات التي تحصل عليها ألعاب وتطبيقات فيس بوك والمواقع الخارجية التي تستخدم زر تسجيل الدخول بواسطة فيس بوك وما هي حجم البيانات التي يحصل عليها المطورين والمعلنين على حد سواء.

أكدت فضيحة كامبريدج أناليتيكا أن الشركة متورطة في التلاعب بالديمقراطية في الولايات المتحدة، وأنها فعلت ذلك في بلدان كثيرة وفي قضايا مهمة مثل خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.

سلطت الصحافة الضوء على سياسات فيس بوك الخاصة بالخصوصية ووجدت أن المنصة تجمع الكثير من البيانات عن المستخدمين وحتى الرسائل القصيرة SMS في هواتفهم لديها القدرة للوصول إليها.

وقامت الشركة بتعزيز خصوصية المنصة وتعديل الإعدادات واتاحة المزيد من أدوات التحكم للمستخدمين، لتأتي ضربة أخرى قوية على شكل اختراق للمنصة خلال سبتمبر الماضي أضر بحوالي 30 مليون إلى 50 مليون مستخدم.

ومنذ أسبوعين فقط أعلنت Digital Shadows المتخصصة في الأمن المعلوماتي أن مجموعة من القراصنة، قد حصلوا على رسائل ومحادثات 120 مليون حساب على فيس بوك، ويتم عرضها للبيع بسعر 0.10 دولار لكل رسالة.

عرض هؤلاء رسائل خاصة ومحادثات من 81 ألف حساب مبدئيا، وبعد أن تحققت بي بي سي من ذلك تأكد لها أنها حقيقية وتواصلت مع بعض المستخدمين الروس المتضررين ليؤكدوا لهم أنها بالفعل رسائلهم مستغربين من سبب تسريبها.

تأتي هذه الحادثة لتؤكد لنا أن الرسائل والمحادثات على المنصة غير محمية ويمكن للمخترقين الوصول إليها للأسف.

  • تشويه سمعة المعارضين لشركة فيس بوك

سلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على مساعي فيس بوك لتشويه سمعة المعارضين لها، وفي مقدمتهم الملياردير جورج سوروس.

الملياردير الشهير كان يدعم هيلاري كلينتون، وراهن على فوزها وتعرض لصدمة قوية لأن الصحافة التقليدية لم تؤثر على الرأي العام وكان تأثير فيس بوك أقوى، لهذا شن هجوما على فيس بوك بالضبط وانتقد كثيرا جوجل ومنصات أخرى.

ويعد من أكبر مؤيدي تنظيم مجال الشبكات الإجتماعية ووضع القوانين ومنع التلاعب بالرأي العام باستخدامها، وهو ما يعد مضادا لمصالح فيس بوك.

الشركة الأمريكية لجأت إلى خدمات شركة متخصصة في العلاقات العامة هي “ديفاينرز بابليك أفيرز” للتصدي لمعارضيها، وهو ما دفع مؤسسة الملياردير الشهير لنشر بيان شديد اللهجة مطالبة فيس بوك بتحقيق شفاف ومستقل.

مارك زوكربيرغ أعلن أنه لا يعلم بأي حملة ضد المعارضين، وأن شركته بعيدة كل البعد عن هذه التهمة الجديدة التي تضاف إلى سلسلة من الإتهامات التي تلاحقها.

كما أعلن عن إنشاء ما يشبه “محكمة استئناف” مستقلة للبت في المحتويات المثيرة للجدل وتحديد إذا ما كان ينبغي لها أن تبقى على صفحات الشبكة.

  • فوضى واتساب ومقتل أكثر من 30 شخصا على الأقل

يعد واتساب التطبيق الأساسي لتبادل الأخبار في الكثير من الدول لاسيما في الدول الناشئة والصاعدة مثل الهند والبرازيل والمكسيك والشرق الأوسط.

وتسبب التطبيق في الترويج لأخبار مزيفة في الهند والمكسيك ودول أخرى أدت إلى مقتل 30 شخصا الكثير منهم أبرياء، وهو ما تطرقت إليه منذ أيام بالتفصيل في مقالة بعنوان: كيف قتلت الأخبار المزيفة على واتساب أكثر من 30 شخصا؟

  • تابع أزمة فيس بوك بشكل مستمر

من وقت لآخر نكتب مقالات عن أزمة فيس بوك وتفصيلها ولنشرح لكافة المستخدمين والمهتمين من الصحفيين والمدونين ووسائل الإعلام والمعلنين والمسوقين ماذا يحدث بالطبع.

يمكنك متابعة ملف أزمة فيس بوك الذي نشرت فيه أكثر من 60 مقالة حتى الآن، حيث يمكنك فهم الأزمة بصورة أكبر والإطلاع على التطورات القادمة.

 

نهاية المقال:

كتبت هذه المقالة وكأنني أب يروي قصة لابنه الصغير قبل النوم، 1700 كلمة هي اختصار لقصة أزمة فيس بوك التي كتبتها في 62 مقالة خلال عامين دون احتساب العشرات من المقالات والمنشورات الأخرى.

السابق
افضل موقع عربي لتحميل البرامج وأهم مميزاته
التالي
منح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين وضم الضفة الغربية ثم غزة