في حرب غزة وقف الإعلام العربي إلى جانب قطاع غزة، وكانت شبكة الجزيرة القطرية في صدارة التغطية، كما حصدت قنوات يوتيوب كبرى عربية تتبع الخط نفسه نجاحا كبيرا.
القاسم المشترك بين كل هذه الوسائل التي استقطبت مشاهدات عالية خلال عام من الحرب هو التضليل والخطاب الشعبوي العاطفي.
على العكس القنوات والوسائل التي اتبعت خطابا عقلانيا، وركزت على تقديم وجهة النظر الأخرى لم تحصد شهرة كبيرة بين عامة الناس.
لماذا الإعلام العربي مضلل وعاطفي يتبع الخطاب الشعبوي في حرب غزة؟ ولماذا حتى وسائل اعلام عالمية ناطقة بالعربية اتبعت الموجة نفسها؟
الخطاب الشعبوي يستقطب الشعوب
نعيش في عصر تتزايد فيه الشعبوية رغم تقدم العلم والعقلانية وانتشار الكتب والمواد التي تعلمنا أن لا نكون جزءا من القطيع وندقق دائما في ما نتلقاه من معلومات.
رغم ذلك إلا أن غالبية الناس يفضلون الرأي السائد، والسائد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو أن إسرائيل دولة معادية تريد إبادة العرب ويدعم هذا الخطاب المنطق الديني الذي يحرض على اليهود ويعتبرهم قاتلي الأنبياء.
ويبدو من هذا الخطاب أن المشكلة أكبر من صراع حول الأرض بين شعبين شقيقين، ولكنه حرب إبادة حيث المتطرفون من الجهتين يطالبون بإبادة الطرف الآخر.
هناك غضب شعبي من المجازر التي تنقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهذا يزيد من الخطاب الشعبوي الذي يحتضن التطرف الديني.
إقرأ أيضا:توقعات: ملياري مشاهد لمباريات كأس العالم للسيدات 2023وفي ظل هذا الغضب أي خطاب عقلاني يدعو إلى السلام لن ينال الدعم الشعبي، وسيلقى تجاهلا سواء من الشعوب وبالتالي من وسائل الإعلام.
الإعلام تجاري مثل أي شيء آخر
تبحث قنوات يوتيوب الشهيرة على الساحة اليوم والتي يعرفها الجميع تقريبا عن المشاهدات، وهي تستخدم العناوين الجذابة والصور المضللة على نحو كبير.
هذه القنوات التي أنشأها هواة في السياسة يعرفون جيدا كيف يستغلون ما يجري في غزة لكسب المال من خلال جلب الملايين من المشاهدات لكل مقطع ينشرونه.
ويركزون على جلب الأخبار التي تبين وكأن حماس تتقدم أو تفضح تقاعس ايران عن دعم الحركة الإسلامية في القطاع أو تسلط الضوء على جهود مصر والدول العربية لإيصال المساعدات وإيقاف الحرب.
كما تذهب بتحليلاتها إلى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية متوترة وهناك مناورات مصرية استعدادا للحرب ضد إسرائيل، وهذا غير صحيح.
ببساطة يحاول هؤلاء تضخيم بعض الأحداث وتحريفها عن مجرياتها كي تكون بشارة للجمهور المتعطش للإنتصارات والأخبار الإيجابية.
وكذلك شبكة الجزيرة عندما تشاهدها، قد تصدق أن حماس تنتصر وإسرائيل تخسر الحرب، والحقيقة هي العكس تماما، الحركة الفلسطينية تعرضت للدمار وتلاحق إسرائيل فلولها.
ليس من مصلحة هؤلاء على ما يبدو بث الحقيقة كما هي، لأن جمهور الحقيقة صغير والناس يفضلون من يخبرهم بالوهم، ولا يريدون من يخبرهم بالحقيقة.
إقرأ أيضا:ماذا يعني اعتبار حرائق الغابات في الجزائر مؤامرة صهيونية؟عالم عربي غارق في الخطاب اليساري والإسلامي
الخطاب العقلاني لا مكان له في العالم العربي، الكل يتاجر بالشعارات هنا، بداية من اليساريين الذين يطبلون لزعماء أمثال جمال عبد الناصر والذين فشلوا في نقل المنطقة إلى الديمقراطية وقادوا انقلابات عسكرية ضد الملكيات.
ونهاية إلى الإسلاميين الذين جاؤوا بمشروع الصحوة ويريدون استعادة الخلافة الإسلامية بكل مفرداتها وعناصرها، ولا يزال هذا حلم يراود الشباب الإسلامي رغم فضائح داعش في سوريا والعراق.
إقرأ أيضا:عودة سوريا إلى الجامعة العربية لكن ليس بعد إلى الحضن العربيفي المنطقة الخطاب الليبرالي العقلاني لا يزال مقموعا، ويشيطن الأغلبية العلمانية والليبرالية والحرية الفردية ويريدون الديمقراطية!
في ظل طغيان الخطاب اليساري والإسلامي أي مشروع اعلامي يجب أن يتبنى أحد الخطابين كي ينجح ويحقق مشاهدات وأرباح.
أي خطاب آخر أو مقاربة مختلفة تعني فشل المشروع الإعلامي وتجاهله من قبل الجمهور وقمعه من الممولين وحتى السلطات في هذه الدول، إنه صدام مع الجميع ويبدو غريبا أيضا.
إقرأ أيضا:
خطر الشعبوية اليسارية والإسلام السياسي في حرب غزة
يجب أن تنتصر إسرائيل على أعداء الإتفاقيات الإبراهيمية
الحروب الدينية التي تحدث في العالم الآن
هل يحقق الرد على ضرب إيران لإسرائيل حلم العرب الأقحاح؟