حرب غزة التي اندلعت بسبب هجوم حماس على إسرائيل، ليست جولة أخرى من الصراع المسلح بين الطرفين ينتهي بالهدنة، بل إنها حرب وجودية للطرفين.
إن التصريحات الإسرائيلية التي تشير إلى أنه لن يكون هناك وقف كبير لإطلاق النار مهمة لثلاثة أسباب رئيسيةـ أولاً، تعكس هذه التصريحات نية إسرائيل الجادة لتحقيق هدفها الاستراتيجي: تحييد حكم حماس وقدراتها العسكرية.
ثانياً، إنها تبعث برسالة واضحة إلى العالم وإلى حماس، ومن المحتمل أن تكون بمثابة أداة هامة في المفاوضات من أجل إطلاق سراح الأسرى، وثالثًا، القوى ليست قطع شطرنج يمكن اللعب بها.
وقد توافق إسرائيل على فترات هدوء قصيرة مدتها بضع ساعات في كل مرة، بهدف تخفيف الضغط الدولي فيما يتعلق بالمخاوف الإنسانية ومحاولة تأمين إطلاق سراح بعض الأسرى، لكنها في المرحلة الحالية لن توافق على أكثر من ذلك.
إن وقف إطلاق النار لفترة أطول لن يفيد إلا حماس، ويمكنهم إعادة إمداد أنفسهم بالمياه والغذاء والوقود، وهو ما يفتقرون إليه بلا شك بعد قضاء خمسة أسابيع في الأنفاق، ويمكنهم إعادة توجيه القوات إلى المناطق المتضررة وتعزيز دفاعاتهم ضد جيش الدفاع الإسرائيلي، ويمكنهم تغيير مواقع القادة والأسرى وربما تهريب الأصول من القطاع إلى سيناء.
إن المطالبة بوقف إطلاق النار لا تنبع فقط من القلق العالمي بشأن مليون لاجئ فروا من القطاع الشمالي إلى جنوبه، هناك أيضًا عنصر واضح من المأزق داخل حماس.
إقرأ أيضا:التطبيع بين السعودية وايران جزء من مشروع الديانة الإبراهيميةمن المشكوك فيه إلى حد كبير أن يندم يحيى السنوار، زعيم حماس في قطاع غزة، على الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر، لكن من المحتمل أن يصل الضغط من فوق الأرض إلى عمق الأنفاق.
حتى لو لم يفهم السنوار حجم الضرر الذي لحق بمنظمته وبناها التحتية وشعبها، فهو بالتأكيد يرى (من خلال وسائل الإعلام) أن غزة قد غيرت موقفها وأن إسرائيل لا تنوي التوقف.
استعد السنوار للهجوم الجوي الإسرائيلي، ومن المحتمل أنه استعد أيضًا للمواجهة البرية، لكن من المشكوك فيه أن يقدر أن إسرائيل ستتصرف بهذه القوة، علاوة على ذلك، من غير المؤكد ما إذا كان يفهم الصورة الحقيقية للقتال الفعلي: لقد تم ضرب العديد من معاقله، وتأثرت البنية التحتية للاتصالات، ويظل الجيش الإسرائيلي غامضا فيما يتعلق بحجم قواته ومواقعها.
وهذا يسمح لإسرائيل بتعميق العملية، وربما حتى في ذروتها بالسيطرة الكاملة على مدينة غزة، بعد ذلك، سيُطلب من الجيش الإسرائيلي تطهير المنطقة، لكنه سيطالب بإعادة الانتشار.
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف من الجو فقط، لسنوات عديدة، كانت إسرائيل على علاقة غرامية بالجمع بين الاستخبارات والنيران الجوية لتجنب الحاجة إلى هجوم بري، إن نجاحات نظام الدفاع الجوي والتحصينات على الحدود غرس الاعتقاد بأن إسرائيل محمية.
لقد حطم هجوم 7 أكتوبر هذه الافتراضات الأساسية وأجبر الجيش الإسرائيلي على العودة إلى الأساسيات، أي نقل المعركة إلى أراضي العدو للتغلب عليه بشكل حاسم.
إقرأ أيضا:هدف بيل غيتس في ميزان توقعات 2022 للعالموفي الأسابيع التي سبقت العملية البرية، ارتفعت الأصوات التي تدعو إلى إطالة أمد الهجوم الجوي، ترددت هذه الأصداء من مكتب رئيس الوزراء، الذي فقد في تلك المرحلة الثقة في الجيش الإسرائيلي.
كما كانت هناك مزاعم بأن الجيش لم يكن جاهزاً وسيواجه صعوبات في تحقيق أهدافه، لقد أثبت الواقع عكس ذلك: قد تكون غزة صعبة الاختراق، لكن القوات وصلت إليها عندما كانت معدة ومدربة ومجهزة بشكل جيد لهذه المهمة.
حجم وتركيبة القوات يعني أن الجيش الإسرائيلي لم يأت هذه المرة للقيام بعملية قصيرة ثم يعود إلى بيته، يهدف إلى نتيجة واضحة، وتتلقى القبضة التي تضم مشاة ومدرعات وهندسة قتالية دعمًا قتاليًا من القوات الجوية ونيران المدفعية.
تم إطلاق المناورة البرية بعد الدعم البري للقوات الجوية، والتي لم تعيد تشكيل المشهد في غزة فحسب، بل ساعدت أيضًا القوات البرية بطريقتين مهمتين: لقد أدت إلى رحيل معظم السكان من المنطقة، مما تركها في الغالب مفتوحة أمامهم، وبالتالي مواجهة مباشرة مع حماس، وأصابت جزءًا كبيرًا من مواقع حماس فوق الأرض (وفي بعض الحالات الأنفاق).
ومع ذلك، فهي معارك صعبة، في تضاريس معقدة، ضد عدو استعد لهذه المواجهة منذ 15 عاما، ويهاجم مقاتلو حماس الجيش الإسرائيلي بكل الأسلحة الممكنة، في المقام الأول بالصواريخ المضادة للدبابات، وقذائف آر بي جي، والعبوات الناسفة المختلفة التي تسقطها الطائرات بدون طيار، وبالطبع نيران القناصة والتخريب.
إقرأ أيضا:هل لحرب غزة دور في سقوط أكثر من ألف قتيل في الحج؟وقد تكبد الجيش الإسرائيلي 40 قتيلاً وعشرات الجرحى في هذه العملية، لكنه قضى أيضًا على مئات من عناصر حماس وألحق أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية، إنه ثمن مؤلم ولكن لا مفر منه مقابل التهديد والإنجاز المطلوب، في ظل الكارثة التي حلت بإسرائيل ولم يكن أمامها خيار سوى الدخول إلى غزة لتنتصر.
هذه المرة لا يتعلق الأمر بصورة منتصرة، بل بمناورة شاقة وطويلة الأمد، ولن ينتهي الأمر بإقصاء السنوار أو رفع العلم الإسرائيلي فوق مستشفى الشفاء، وسوف تنتهي عندما تظهر سلطة حاكمة مختلفة في غزة، وحتى ذلك الحين، سيكون على إسرائيل أن تتحرك في القطاع، بنطاقات وقوى مختلفة، والمناورة الواسعة الحالية، والتي من المتوقع أن تستمر بضعة أسابيع أخرى على الأقل، سيتم استبدالها بغارات واسعة النطاق وموجهة تهدف إلى منع حماس من استعادة قوتها.
ستستغرق هذه المرحلة أشهرًا وربما سنوات، ولكن من الضروري بالنسبة لإسرائيل منع سيطرة حماس مرة أخرى على القطاع.
وفي الوقت نفسه، تحتاج إسرائيل إلى معالجة ما سيأتي بعد ذلك، وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى تحويل القطاع إلى صومال تسيطر عليه الفصائل التي تقاتل بعضها البعض وإسرائيل.
إذا كانت إسرائيل تريد خلق واقع مختلف في الجنوب، فيتعين عليها أن تعمل بالتعاون مع الجهات الفاعلة الدولية (والدول العربية) التي تمنحها حالياً قدرة واسعة على المناورة في الحرب، بل وتضغط عليها حتى تفوز.
إقرأ أيضا:
كيف ستكون نهاية حماس ونتنياهو وقطر في حرب غزة؟
فوضى اكس في حرب غزة وكيف خسرت تويتر المعلنين
العلمانية هي الحل لصراع فلسطين وإسرائيل
تاريخ تصدير الغاز الفلسطيني من غزة لإسرائيل
هذه فرصة مصر لاسترجاع غزة من احتلال حماس
لماذا لا تقطع السعودية ودول الخليج النفط والغاز لأجل غزة؟
مواقف الملحدين العرب من إسرائيل وحرب غزة في فلسطين
تأثير حرب غزة على سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء