يخلط الناس كثيرا بين القومية والوطنية حتى بعض السياسيين لا يعرفون الفارق بينهما ويعتقدون أن الشخص الوطني هو قومي بالضرورة.
وصل أدولف هتلر في ألمانيا إلى الحكم من خلال تحريف الوطنية واحتضان القومية، ووفقاً لشارل ديجول، الذي قاد فرنسا الحرة ضد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية وأصبح فيما بعد رئيساً لفرنسا، فإن “الوطنية هي عندما يأتي حب شعبك أولاً، أما القومية فعندما تكون كراهية الأشخاص الآخرين غير شعبك هي الأولى”.
كانت مأساة المحرقة تضرب بجذورها في الاعتقاد القومي بأن مجموعات معينة من الناس كانت أدنى منزلة، ورغم أن هتلر يشكل مثالاً متطرفاً بشكل خاص، فقد وجد الباحثون في مجال حقوق الإنسان أنه حتى في العصور المعاصرة، فإن البلدان التي لديها زعماء قوميون من المرجح أن يكون لديها سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان.
بعد الحرب العالمية الثانية، وقع الرئيس هاري ترومان على خطة مارشال، التي من شأنها تقديم مساعدات ما بعد الحرب لأوروبا، وكان الهدف من البرنامج هو مساعدة الدول الأوروبية على “الابتعاد عن التصرفات الانهزامية للقومية الضيقة”.
بالنسبة لترومان، فإن وضع أميركا أولا لا يعني الخروج من المسرح العالمي وزرع بذور الانقسام في الداخل من خلال التصرفات والخطابات القومية، وبدلاً من ذلك، رأى أن «الهم الرئيسي لشعب الولايات المتحدة» هو «خلق الظروف الملائمة للسلام الدائم في جميع أنحاء العالم»، بالنسبة له، كان وضع مصالح بلاده أولاً على المستوى الوطني يعني القتال ضد القومية.
إقرأ أيضا:الدول العربية لن تسقط في فخ الحرب ضد إسرائيل لأجل حماسويتوافق هذا الرأي مع رأي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ذكر أن “الوطنية هي النقيض التام للقومية”، وهذا ليس خفيا على الخبراء في المصطلحين.
القومية هي، حسب تعريف القاموس، “الولاء والإخلاص للأمة”، إنه تقارب الشخص القوي لأولئك الذين يشتركون في نفس التاريخ أو الثقافة أو اللغة أو الدين، ويفهم الباحثون القومية باعتبارها حصرية، وتعزز مجموعة هوية واحدة على الآخرين وفي بعض الأحيان في معارضة مباشرة للآخرين.
التمييز العنصري أو العنصرية المرتبطة بالقومية يمكن أن تظهر في عدة سيناريوهات ومجالات حياة المجتمع:
التمييز العنصري في القوانين والسياسات: قد تتبنى بعض الدول سياسات قومية تفضل أو تميز فئة أو مجموعة قومية على حساب الأقليات الأخرى، يمكن أن تشمل ذلك قوانين الجنسية والهجرة التي تعطي مزايا للأشخاص من القومية المفضلة وتحد من فرص الأقليات الأخرى.
التمييز العنصري في التوظيف والفرص الإقتصادية: قد تواجه الأقليات العرقية أو الثقافية تمييزًا في سوق العمل، حيث يتم اختيار الأشخاص بناءً على القومية بدلاً من الكفاءة والمهارات، قد يحصل الأفراد من القومية المفضلة على فرص عمل ورواتب أفضل مقارنة بالأقليات الأخرى.
التمييز العنصري في التعليم: يمكن أن يتعرض الطلاب الذين ينتمون إلى أقليات قومية للتمييز في نظام التعليم، سواء عبر تقديم فرص أقل للتعليم الجيد أو من خلال توفير موارد أقل للمدارس التي يلتحقون بها.
إقرأ أيضا:حظر الأفلام والأعمال الأدبية والفنية وقاعدة كل ممنوع مرغوبالتمييز العنصري في الحياة اليومية: قد يتعرض الأفراد للتمييز والعنصرية في الحياة اليومية بناءً على قوميتهم، يمكن أن يشمل ذلك التعامل السيء، التجاهل، الاستهزاء أو حتى العنف الجسدي بسبب العرق أو القومية.
يمكن أن تتحول القومية إلى عنصرية عندما يتم استغلالها لتبرير التفضيل الجائر والتمييز ضد الأقليات الأخرى، وتعظيم مصالح وحقوق المجموعة القومية على حساب حقوق الآخرين.
قد يتم تعزيز التمييز العنصري في سياق القومية عبر السياسات العنصرية والتشريعات التي تفضل القومية الواحدة على حساب الأقليات الأخرى، وتوفر فرصًا وامتيازات للقومية السائدة فقط.
وعلى مر التاريخ كانت القومية سببا من أسباب اندلاع الحروب، وقد كان هتلر قوميًا، حيث كان يروج لفكرة التفوق العنصري للألمان وتعزيز المصالح القومية الألمانية، كانت لديه رؤية عنصرية وتوجهت سياسته نحو تحقيق الهيمنة والسيطرة على الأراضي والموارد والشعوب الأخرى، وذلك من خلال توسيع الإمبراطورية الألمانية وترويج فكرة التطهير العرقي والقضاء على الأشخاص غير الألمان.
تجسدت فكرة هتلر بشكل خطير في سياسة النازية ونظامهم الذي أدى إلى محاولة القضاء على الأقليات العرقية والسياسية والدينية، بما في ذلك اليهود والسود والمثليين والمعاقين وغيرهم، وتسبب هتلر ونظامه في معاناة هائلة وإبادة جماعية تاريخية تعرف بالهولوكوست.
من جهة أخرى كان موسوليني زعيمًا فاشيًا إيطاليًا في الفترة من 1922 إلى 1943، وكان يروج للقومية الإيطالية وسيطرة الدولة على جميع جوانب الحياة العامة، وسعى لإعادة بناء الإمبراطورية الرومانية القديمة.
إقرأ أيضا:أسباب دعم تركيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتوقومي آخر هو فرانكو ديكتاتورًا إسبانيًا من عام 1939 حتى وفاته في عام 1975، كان يروج للقومية الإسبانية والفاشية، وسعى لقمع الثقافات واللغات الإقليمية في إسبانيا.
أما سالازار فقد كان ديكتاتورًا في البرتغال من عام 1932 حتى وفاته في عام 1968، كان يروج للقومية البرتغالية والمحافظة الاجتماعية والسياسية، وفرض نظام استبدادي يقمع الحريات السياسية والاجتماعية.
في العصر الحديث هناك العديد من الحكام القوميين منهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الهنغاري فيكتور أوربان.
هناك فرق بين الوطني والقومي، الأول يعتقد أن الهجرة تجعل بلده أقوى ويتم استقطاب المستهلكين واليد العاملة والعقول، فيما يخشى القومي أن يغير المهاجرون الثقافة وعادة ما يعارض الهجرة.
يدعم الوطني الحقوق المتساوية للنساء والمثليين، فيما ينظر القومي إلى حقوق المرأة وحقوق المثليين على أنها فكرة أجنبية مشبوهة وأن هناك جهات تدعم تلك الأفكار التي تعد غير مقبولة بالنسبة له.
بعد تراجعها خلال عصر الليبرالية الجديدة، تزايدت القومية منذ عام 2012، واليوم هناك حركات قومية حتى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تنادي باستعادة الامبراطوريات القديمة وتمارس أيضا العنصرية ضد الأجانب وتنظر إلى الشعوب الأخرة بنظرة استعلائية.
إقرأ أيضا:
فوضى القومية بعد أوهام الخلافة الإسلامية والوحدة العربية
ما هو التحرر وما هي تحديات هذه العملية وصعوبتها؟
بعد حظر العباية الإسلامية يجب فرض الزي الموحد في المدارس
داعش ليست صناعة أمريكية بل إسلامية سنية سلفية وهابية
القرآنيون: أسئلة وأجوبة حول أهل القرآن
فتح القسطنطينية: هل تنجح روسيا في احتلال إسطنبول؟