الوحدوية الروسية هي حركة سياسية ودينية تأسست في روسيا في القرن التاسع عشر، تدعو إلى توحيد الشعوب الروسية تحت قيادة الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والدولة الروسية.
وتعتبر هذه الحركة جزءاً من الثقافة والتقاليد الروسية، وهي مرتبطة بشدة بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية والتاريخ الروسي.
وتشمل مطالب الوحدوية الروسية الحفاظ على وحدة روسيا وتعزيز هوية الشعب الروسي، والتصدي للتأثيرات الخارجية التي تهدد هذه الوحدة والهوية الروسية.
عندما شنت روسيا حربًا وحشية واسعة النطاق ضد أوكرانيا، كانت تتصرف كدولة استعمارية تطبيق الوحدوية، ومن الواضح أن قيادة الكرملين مدفوعة بخيال تاريخي ملتو يصور أوكرانيا على أنها جزء لا يتجزأ من الأمة الروسية.
يُنظر إلى انقسام “الهيئة الوطنية” الروسية في عام 1991 وظهور أوكرانيا المستقلة على أنهما انحراف تاريخي يحتاج إلى تصحيح، لم يولد الخيال التاريخي للكرملين من فراغ، إنه نتيجة قراءة خاصة للتاريخ الروسي قدمتها التأريخ القومي الروسي في أواخر فترة الإمبراطورية.
بالنسبة للقوميين الإمبرياليين الروس، تنتمي أوكرانيا إلى جانب بيلاروسيا إلى القلب الإمبراطوري، ويشكل الأوكرانيون جنبًا إلى جنب مع العرق الروسي الإمبراطورية الأوراسية المترامية الأطراف.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قارئ نهم لكتب التاريخ ومؤرخ هاوٍ، هو تلميذ مخلص لهذه المدرسة الفكرية القومية التي تقدس الإمبراطورية الروسية وتتوسع بدعم ومباركة الكنيسة الروسية الأرثوذكسية.
يبدو أن هوسه بأوكرانيا كجزء من “الوحدة الوطنية” الروسية وخوفه من “خسارة أوكرانيا” في التنافس الجيوسياسي المتزايد مع الغرب دفعه إلى اتخاذ القرار المصيري بإرسال قوة غزو إلى دولة مجاورة سلافية شرقية، وفي النهاية أدرك متأخرا أن الغزو الروسي لأوكرانيا غير ممكن لأن الشعب الأوكراني يرفض الاحتلال الروسي ويدافع عن الإستقلال.
إقرأ أيضا:أقوى دليل يثبت أن الكائنات الفضائية موجودةفي مقابلة حديثة واسعة النطاق مع وسائل الإعلام الروسية الرئيسية، صرح ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، بصراحة أن “أوكرانيا جزء من روسيا”، ثم أوضح أن أوكرانيا لم تكن فقط جزءًا من الإمبراطورية الروسية، ولكن أراضي أوكرانيا المعاصرة، التي يسكنها “شعب روسي حقيقي” كانت “جزءًا من روسيا بالمعنى الضيق”.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت الإمبراطورية الروسية، مثل العديد من الأنظمة الإمبريالية الأوروبية الكبرى، باستثناء النمسا والمجر، إمبراطورية مؤممة منشغلة بتكوين أمة في قلبها الإمبراطوري.
كان يُنظر على نطاق واسع إلى فيليكوروسي (من أصل روسي) إلى جانب مالوروسي (الأوكرانيين) والبيلاروسيين، بوصفهم الفروع الثلاثة “للشعب الروسي”، على أنهم يشكلون العمود الفقري لهذه الأمة الإمبراطورية الناشئة.
في مقالته الأساسية عام 1915، جادل بيتر سافيتسكي، أحد قادة الحركة الأوراسية المستقبليين، بأن: “النواة الإمبريالية الرئيسية للإمبراطورية الروسية، تشكلت الوحدة الوطنية الكبرى لعموم روسيا بعد اندماج موسكوفي مع أوكرانيا”.
“خسارة أوكرانيا” لعدو خارجي أو لحركة انفصالية محلية كان من شأنه أن يرقى إلى تفكيك أوصال الهيئة الوطنية، صرح بيتر ستروف، أحد أبرز المفكرين القوميين الإمبرياليين الذين أكدوا أن الإمبراطورية الروسية متعددة الأعراق كانت أمة في طور التكوين، في عام 1912 عندما كتب أنه حتى تخيل أوكرانيا كشيء متميز ثقافيًا عن “روسيا” من شأنه أن يؤدي إلى “انشقاق هائل وغير مسبوق للأمة الروسية”.
إقرأ أيضا:700 مليار دولار سنويا لدول أفريقيا لمواجهة التغير المناخيووفقًا للكاتب فاسيلي روزانوف وغيره من المثقفين القوميين الروس ذوي التفكير المماثل، فإن اللغة الأوكرانية المنفصلة والعلامات الأخرى للهوية الأوكرانية المميزة “تم اختراعها عن قصد من أجل تفريق الشعب الروسي، أي تقسيمهم إلى نصفين بحيث يبدؤون في قتال بعضهم البعض”.
كل هذه الأفكار التي تتبناها اليوم حركة الوحدوية الروسية هي التي تغذي الحرب الروسية الأوكرانية والغزو الروسي غير القانوني لدولة مستقلة وبمبررات واهية.
لكن المشكلة لا تتعلق فقط بأوكرانيا، تريد روسيا أيضا ضم كافة الدول المستقلة عنها وهذا يشمل دول آسيا الوسطى التي أظهرت انزعاجها ومخاوفها من التدخل الروسي في أوكرانيا وشعرت هي الأخرى بأنها مهددة.
في هذا الفكر الذي يتبناه فلاديمير بوتين، كل الدول التي تتضمن جاليات روسية هي في الواقع يجب احتلالها وضمها إلى روسيا الكبرى، وهذا يعني أنه في حال أردنا اسقاط هذه النظرية على الواقع ستحتل روسيا كل الجمهوريات المستقلة عنها لأنها تتضمن جاليات روسية ثم تغزو أيضا تركيا وتتوسع إلى الإمارات التي تتضمن جالية روسية صاعدة هربت من البلد الأم مع اندلاع الحرب الأخيرة.
ببساطة نحن هنا أمام امبراطورية توسعية، لن يحدث التوسع بين ليلة وضحاها، لكن بإسقاط أوكرانيا لن تتوقف روسيا بل ستتوسع وستجد دائما المبررات لشن غزوات إضافية، وهذا يشله ما كان يقوم به هتلر الذي ادعى أنه يريد استعادة الأراضي التي اقتطعها الحلفاء من ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى، ومع تسامح الحلفاء مع غزواته الأولى تبين لهم أن ألمانيا النازية هي امبراطورية توسعية لن تتوقف عن الغزو وهكذا غدرت أيضا بالإتحاد السوفياتي.
إقرأ أيضا:لماذا تدعم الإمارات الديانة الإبراهيمية التوحيدية؟توجد اليوم بعض الحركات والجماعات في روسيا التي تدعم فكرة التوسع وتوسيع نطاق سيطرة روسيا على مناطق أخرى، ومن بين هذه الحركات والجماعات، يمكن ذكر الحزب الشيوعي الروسي، الذي يدعو إلى استعادة المناطق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي في الماضي، مثل أوكرانيا وجورجيا وبيلاروسيا وبلدان أخرى.
كما توجد بعض الجماعات المتشددة التي تدعو إلى توسيع نطاق سيطرة روسيا على الأقاليم الروسية السابقة وغيرها من الدول الأخرى.
وتدعم الكنيسة الروسية الأرثوذكسية توسع روسيا واستعادة الدول المستقلة وحتى نشر التنصير والديانة المسيحية وفق الرؤية الروسية وذلك في مختلف أنحاء العالم.
تستخدم اليوم روسيا الإعلام وحتى الدين من خلال مغازلة الإسلام ومعارضي المثلية الجنسية والعلمانية والديمقراطية لتوسيع نفوذها والتمهيد لتتقبل الشعوب توسعها وتعتبره حربا على الأشرار والقوى الشيطانية (الولايات المتحدة وحلفائها في الرواية الروسية).
يجب التذكير إلى أن روسيا في الأصل كانت مجرد دولة صغيرة، ثم توسعت لتصبح امبراطورية مترامية الأطراف وأكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وهي أكثر دولة متمسكة بالفكر الإمبريالي التوسعي في الوقت الحاضر، هذا في وقت تراجعت فيه القوى الغربية عن عقلية التوسع العسكري وتعلمت الدرس من احتلالها للكثير من الدول في القرن الماضي.
إقرأ أيضا:
أطماع روسيا بوتين تعيدنا إلى الحركة الإستعمارية الروسية الكبرى
روسيا لا تزال دولة استعمارية وهذه حقائق عن الإحتلال الروسي
ارتفاع أسعار القمح 8.5%: روسيا تضرب الأمن الغذائي العالمي
عواقب انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية
حقائق حول ممر سوالكي بين بولندا وليتوانيا وتهديدات روسيا
من انقلاب فاغنر إلى انقلاب تركيا على روسيا بوتين المتهالكة
موقف روسيا بوتين والصين من غزو العراق 2003
هل روسيا ظالمة أم مظلومة؟ هذا رأي صديق بوتين