لطالما كان الاستمطار الإصطناعي حلما بشريا، حيث سعى البشر في الجفاف إلى جلب المطر بالصلاة والدعاء والرقص وتعويذات وأساليب طاقية وروحانية مختلفة.
على مر التاريخ واجهت البشرية موجات الجفاف التي يمكن أن تستمر لسنوات طويلة وتؤدي في أحيان كثيرة إلى العطش والمجاعات القاتلة.
في العصر الحالي يواجه العالم التغير المناخي، حيث تتساقط الأمطار بشكل عشوائي أكثر من ذي قبل، ويمكن أن تسقط في الصحراء والمناطق القاحلة على نحو مذهل، وتعاني المناطق التي كانت تتعرض لتساقطات جيدة للمزيد من موجات الجفاف.
الإستمطار في الحضارات القديمة
كانت القبائل الأمريكية الأصلية، وخاصة في جنوب غرب الولايات المتحدة، تؤدي رقصات المطر تاريخيًا كطقوس لتعديل الطقس.
في المجتمعات الأفريقية، غالبًا ما تُنسب القدرة على صنع المطر إلى الملوك، الذين يخاطرون بالقتل إذا فشلوا في إنتاج الأمطار المتوقعة.
كان لدى الديانة الرومانية احتفال يسمى aquaelicium لإنتاج المطر في حالات الجفاف، ويتضمن إحضار حجر مقدس إلى مجلس الشيوخ.
الطقوس السلافية والرومانية مثل Caloian وDodola وPerperuna هي عائلة من ممارسات صنع المطر التي نجت حتى القرن العشرين.
كان لدى المايا “صانعو المطر”، وهم كهنة يؤدون طقوسًا لتكريم تشاك، إله المطر، وكانت هذه الطقوس تتضمن تقديم القرابين وتقليد أصوات الضفادع، حيث كانت الضفادع مرتبطة بالمطر.
إقرأ أيضا:زيت النخيل المزروع بديل زيت النخيل المسرطنكان الأزتك يعتقدون أن تلالوك، إله المطر، يتحكم في هطول الأمطار، وكانوا يقيمون طقوسًا معقدة، تتضمن أحيانًا تقديم تضحيات بشرية، لضمان هطول المطر على محاصيلهم.
أجرى الشامان الصينيون القدماء، المعروفون باسم وو، طقوسًا تتضمن رقصات التضحية لإرضاء أرواح الطبيعة التي يُعتقد أنها تتحكم في المطر، غالبًا ما تضمنت هذه الطقوس رقصات مرهقة داخل حلقة من النار.
كانت الثقافات السلافية والرومانية تمارس طقوس استمطار المطر مثل طقوس كالويان وطقوس دودولا، والتي استمرت حتى العصر الحديث.
الإستمطار في الديانات المختلفة
تعد الأديان بما فيها الإبراهيمية امتداد للثقافة البشرية السابقة، ما يؤكد لنا انها صناعة بشرية، وتتفق المسيحية والإسلامي واليهودية على وجود ملائكة مكلفين بجلب الأمطار.
في اليهودية، يعتبر المطر نعمة من الله، ضرورية للزراعة والبقاء، يحتوي الكتاب المقدس العبري على عدة إشارات إلى المطر باعتباره هدية إلهية.
خلال خدمة الصلاة اليهودية، وخاصة في عميداه (شمونة عشري)، تُتلى صلوات محددة من أجل المطر، وخاصة خلال موسم الجفاف. تعترف صلاة “مشيف هارواتش أوموريد هاجيشيم” بدور الله في جلب المطر.
في المقابل تعتقد العديد من الطوائف المسيحية أنه يمكن طلب المطر من خلال الصلاة، على سبيل المثال، خلال أوقات الجفاف، قد ينظم قادة الكنيسة خدمات صلاة يطلبون فيها المطر، مما يعكس الاعتقاد بأن الله يتحكم في الطقس.
إقرأ أيضا:العلاقة بين النمو الإقتصادي ومشكلة التغير المناخيفي أوقات الجفاف، يؤدي المسلمون صلاة الإستسقاء وتتضمن اجتماعًا جماعيًا حيث يقود الإمام الجماعة في الدعاء إلى الله طلبًا للمطر.
يعتبر المسلمون كما هو حال بقية الديانات الإبراهيمية أن انقطاع المطر مرتبط بغضب الله، وأن هناك ذنوب كثيرة ارتكبها العباد هي التي حالت بينهم وبين رحمة الله.
عصر الإستمطار الإصطناعي
بينما لا يزال أتباع الديانات متمسكون بالدعاء والصلاة وطلب الرحمة من القوة العليا، ولا تزال القبائل الأفريقية وعدد من الأمم الأخرى تمارس الرقص وتقدم الأضاحي للطبيعة، يتقدم العلم ويبحث المجتمع العلمي عن أجوبة حقيقية.
تم استخدام تلقيح السحب منذ أربعينيات القرن العشرين لتغيير بنية السحب وتحفيز هطول الأمطار، وبدأ المغرب الإستثمار في هذه التقنية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
أظهرت الدراسات أن تلقيح السحب باستخدام يوديد الفضة يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تساقط الثلوج، حيث أفادت بعض المشاريع بزيادة بنسبة 10-15٪ في الغطاء الثلجي.
وتشمل التطورات الأخيرة استخدام طائرات بدون طيار مجهزة بأجهزة انبعاث الشحنات الكهربائية، ويمكن لهذه الطائرات بدون طيار توصيل الشحنات الكهربائية إلى جزيئات الهواء، مما يحفز هطول الأمطار بشكل فعال، وقد أظهرت هذه الطريقة نتائج واعدة في مناطق مثل الإمارات العربية المتحدة.
تستخدم عمليات تلقيح السحب الحديثة بشكل متزايد تقنيات الاستشعار عن بعد لمراقبة خصائص السحب والظروف الجوية، تساعد هذه البيانات في تحسين جهود تلقيح السحب وتحسين فعاليتها.
إقرأ أيضا:ما هو يوم الأرض العالمي تاريخه وما هي أهميته؟لا يزال استخدام هذه التقنيات محدودا، حيث لا تزال في بدايتها وتستخدم في مناطق جغرافية صغيرة لمعرفة تأثيراتها والوصول إلى معادلة مثالية لجلب الأمطار إلى المناطق التي تحتاج إليها والأهم الحصول على التساقطات المناسبة وتجنب الفيضانات والأعاصير.
تجارب ناجحة للاستمطار الإصطناعي
أجرت الهند تجارب ناجحة لتلقيح السحب، مثل تلك التي أجريت في منطقة سولابور في ولاية ماهاراشترا من عام 2017 إلى عام 2019.
وكشفت الدراسة، التي نُشرت في نشرة الجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية (BAMS)، عن زيادة بنسبة 18% في هطول الأمطار مقارنة بالأنماط المعتادة.
يعد مشروع استمطار تايلاند الملكي، الذي بدأه الملك بوميبول أدولياديج في عام 1955، أحد أطول برامج تلقيح السحب، وقد تم تطبيق المشروع، الذي تديره إدارة استمطار تايلاند الملكي والطيران الزراعي، بنجاح في جميع أنحاء تايلاند والدول المجاورة.
تمتلك الصين أكبر نظام لتلقيح السحب في العالم، وتخصص البلاد ملايين الدولارات سنويًا لمكتب تعديل الطقس الوطني، وفي الفترة ما بين عامي 1999 و2007، ادعت الصين أنها نجحت في حماية 470 ألف كيلومتر مربع من البرد وتوليد أكثر من 250 مليار طن من الأمطار باستخدام تلقيح السحب.
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة في منطقة الخليج العربي عندما يتعلق الأمر بتلقيح السحب، وتستخدم هذه التقنية لمعالجة ندرة المياه الناجمة عن مناخها الحار.
يستخدم علماء الإمارات العربية المتحدة رادار الطقس لمراقبة الغلاف الجوي وإجراء عمليات تلقيح السحب، والتي يمكن أن تزيد من هطول الأمطار بنسبة 30-35٪ في الظروف الأكثر جفافًا و10-15٪ في البيئات الأكثر رطوبة.
إقرأ أيضا:
حل مشاكل انتاج الكهرباء أو النفط الجديد في عصر التغير المناخي
المساواة في الميراث ضروري في عصر التغير المناخي
اثيوبيا أول دولة في العالم تمنع سيارات الوقود بفضل سد النهضة
هل زلزال المغرب واعصار ليبيا مؤامرة ضد شمال أفريقيا؟
ما هي ظاهرة النينيو والقطاعات التي تؤثر عليها وأنواعها وتأثيرها؟
أمراض قاتلة تنتشر بسبب التغير المناخي ومخاطر أخرى