لقد سمعنا كثيراً أن صندوق النقد الدولي أداة لإفقار الناس وتدمير اقتصادات البلدان، ويحب أعداء الليبرالية، بما في ذلك الشيوعيون واليساريون والإسلاميون، التأكيد على هذه الحقيقة.
ويصفون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأنهما أسلحة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لإذلال الدول والسيطرة على النظام المالي العالمي.
صندوق النقد الدولي ليس مؤسسة خيرية
لسبب ما، يعتقد الناس أن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة خيرية أو منظمة مساعدة، لكنه في الواقع ليس كذلك، فهو مثل البنوك التي تحتاج إلى استرداد الأموال التي تقدمها للمقترضين.
صندوق النقد الدولي هو مقرض رئيسي كملاذ أخير. فعندما تفشل دولة ما بشكل كارثي وتصبح فقيرة وغير مستقرة، فإن صندوق النقد الدولي وحده هو الذي يمنح القروض لأن المقرضين من القطاع الخاص يعتبرونها محفوفة بالمخاطر للغاية.
وتمتنع كل البنوك الخاصة عن إقراض الحكومات والدول التي تعاني اقتصاديا وماليا وربما تفلس، ليبقى صندوق النقد الدولي هو الخيار الوحيد.
وفي مقابل هذه القروض، يفرض صندوق النقد الدولي تدابير تقشفية والمزيد من تحرير السوق، وذلك لضمان سداد الأموال إلى حد كبير.
وعندما يتم سداد هذه القروض، أو على الأقل سدادها بالقدر الكافي، وتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي، فإن تصنيف ديون الحكومة سوف يتحسن بشكل كبير ويسمح لها بتحمل الديون الخاصة.
إقرأ أيضا:دور أمريكا والغرب في المعجزة الاقتصادية الصينيةورغم أن صندوق النقد الدولي ليس كياناً يسعى إلى الربح بالمعنى التقليدي، فإنه يولد دخلاً كبيراً من خلال عمليات الإقراض ويتمكن من الحفاظ على ميزانية عمومية مربحة.
ويسمح هذا الأداء المالي للمنظمة بمواصلة دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي ومساعدة البلدان الأعضاء بشكل فعال في حالات الأزمات.
النوايا الحقيقية لصندوق النقد الدولي
معظم الدول الفاشلة ماليا واقتصاديا هي دول لا تطبق الرأسمالية الحقيقية، وتعاني من سيطرة الدولة أو الجيش على الاقتصاد وتعاني من الفساد الداخلي.
فمصر مثلا مثال للدولة الهجينة بين الرأسمالية التي كان الرئيس السادات منفتحا عليها، وتدخل الجيش بشركاته وموارده المالية، والقطاع العام المهم لتشغيل العمالة، ومن ثم الفساد المالي. الرشوة والمحسوبية في الإدارات.
وحتى لا تلجأ مصر إلى الاستدانة الخارجية وتحقق الأمن، يريد صندوق النقد الدولي من الدولة العربية أن تطبق الليبرالية كما هي، دون تشويهات.
أولاً، يجب أن يترك الجيش الاقتصاد، ويجب على الحكومة محاربة الرشوة والمحسوبية والفساد المالي، ويجب تعويم الجنيه بالكامل ليكون مثل الدولار واليورو والعملات الحرة، ويجب خصخصة الشركات المملوكة للدولة، ويجب تحديث اللوائح التنظيمية وتشجيع القطاع الخاص والمستثمرين.
ويجب على الدولة أن تقوم بدورها الأساسي والحقيقي، وهو دور الرقابة والتنظيم، وليس دور المنافسة. ومن غير المنطقي أن يتنافس الجيش والحكومة في قطاعات مختلفة. وهذا يتسبب في خسارة القطاع الخاص وهروب المستثمرين لأنهم في مواجهة وتنافس. مع الدولة نفسها.
إقرأ أيضا:كم تبلغ ديون الجزائر الخارجية وكم هي الديون الداخلية؟وينبغي توجيه الدعم الحكومي فقط إلى الفئات التي تحتاج إليه. أنظمة الدعم في العالم العربي شاملة وتستفيد منها الأغنياء والفقراء في معادلة غير عادلة.
ومن ناحية أخرى، تتطلب الليبرالية أن يدفع الجميع الضرائب، الأغنياء والفقراء. التهرب الضريبي أمر خطير ويجب على الحكومة أن تكون صارمة ضده.
تتطلب الليبرالية الحرية الفكرية والإبداعية، وتشجع الحكومة الشباب على الابتكار وتسهل عملية تأسيس الشركات ودفع الضرائب وإدارة أعمالهم.
الآثار الضارة لإصلاحات صندوق النقد الدولي
إن تنفيذ هذه الإصلاحات غالبا ما يضر بسكان البلاد، ولكن بصراحة، هذا أمر لا مفر منه لأن الإصلاحات غالبا ما تكون مؤلمة.
ولكن كلما أسرعنا في تنفيذ الإصلاحات، كلما كانت النتائج أفضل. ومن المؤسف أن العديد من الحكومات، وخاصة في البلدان النامية، لا تملك الشجاعة اللازمة لتنفيذ التدابير اللازمة بسرعة لأنها حكومات غير ديمقراطية.
وهذا ما يفسر الوضع في مصر، حيث الإصلاحات مطلوبة منذ عام 2003 في عهد مبارك، عندما رفضت الحكومة خطط التعويم واستمرت في نظام الدعم الفاشل حتى سقوط الرئيس وسط احتجاجات شعبية.
إن تنفيذ الإصلاحات في مصر يتم ببطء، مما يعني أن المعاناة قد تستمر لفترة أطول وهذا المسلسل لن ينتهي.
هل كان صندوق النقد الدولي ناجحاً على الإطلاق؟
ويعتمد نجاح إصلاحات صندوق النقد الدولي، التي تضع شرطا للحصول على قروض الصندوق، على إرادة الحكومة ودرجة الشفافية في الدولة المقترضة.
إقرأ أيضا:عدد الوظائف التي توفرها شركات فرنسا في المغربووجدنا أن هناك العديد من قصص النجاح، منها كوريا الجنوبية عام 1997، والبرازيل عام 2002، وإندونيسيا عام 1998، وكذلك أيرلندا عام 2011، وغانا عام 2015، وهناك أمثلة أخرى.
ولّد تنفيذ الإصلاحات غضباً شعبياً بالطبع وانتقادات من المعارضة، لكن بعد تنفيذها بالكامل، تعافت الاقتصادات التي كانت تعاني وأصبح العديد منها أيضاً اقتصادات كبرى.
في المقابل، هناك العديد من التجارب الفاشلة وأخرى لم تنجح حتى الآن، ولعل أبرزها اليوم مصر والأرجنتين، وهما دولتان تعانيان من الفساد وتعانيان من مشاكل هيكلية ليس من السهل حلها.
إقرأ أيضاً:
ترتيب الدول التي اقترضت أكثر من صندوق النقد الدولي
لماذا يكره الناس صندوق النقد الدولي؟ 6 أسباب مهمة
كيف انتهت أزمة الإفلاس في سريلانكا بمساعدة صندوق النقد الدولي؟
كيف أنقذ صندوق النقد الدولي روسيا بعد إفلاسها عام 1998؟
إصلاحات صندوق النقد الدولي: إنقاذ كوريا الجنوبية 1997
تجنب إفلاس باكستان في أيدي الصين وصندوق النقد الدولي
قصة نجاح صندوق النقد الدولي في إنقاذ أيرلندا