من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتشويه في العالم العربي والإسلامي نجد العلمانية، التي عرفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها تعني “التسامح مع كافة المعتقدات من قبل الدولة، والدولة تقف من نفس المسافة تجاه كافة الأديان والمعتقدات”.
في المواقع الإلكترونية العربية والإسلامية دائما ما يتم تقديم العلمانية على أنها توجه يسعى إلى اقصاء الدين ونشر الإلحاد في المجتمعات.
لكن هل العلمانية فعلا ضد الدين؟ ومن أين جاءت كذبة العداوة بينهما وأنها تشجع الناس على الإلحاد؟
هل العلمانية ضد الدين؟
العلمانية ليست ضد الدين بشكل عام، بل هي مفهوم يعني فصل الشؤون الدينية عن الدولة والحكم، وتحديد دور الدين في المجتمع بشكل منفصل عن الدور السياسي والحكومي.
وبشكل عام، العلمانية تعني أن الدولة لا ينبغي أن تتدخل في الشؤون الدينية، وكذلك الدين لا ينبغي أن يتدخل في الشؤون السياسية والحكومية، وبالتالي فإن العلمانية تؤمن بحرية المعتقد الديني والحرية الدينية للأفراد، ولكنها تفرض فصل الدين عن الدولة والحكم.
ويمكن أن يتجلى ذلك في العديد من الأمور، مثل تجنب الدولة تمويل المؤسسات الدينية أو الأحزاب الدينية، وضمان حرية المعتقد والعبادة للجميع بما في ذلك الأقليات الدينية، وتطوير نظام تعليم علماني يفصل بين التعليم الديني والتعليم العلمي.
وبالتالي، يمكن القول إن العلمانية ليست ضد الدين بشكل عام، وإنما هي مفهوم يهدف إلى تحقيق الحرية الدينية والحفاظ على دور الدين في المجتمع بشكل مستقل عن الدور الحكومي والسياسي.
إقرأ أيضا:فتح القسطنطينية: هل تنجح روسيا في احتلال إسطنبول؟العلمانية في أوروبا والديانات المختلفة
في البلدان التي تمتلك تاريخاً طويلاً في العلمانية، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فإن العلمانية تعني تفصيل الدين عن الحياة السياسية والحفاظ على الحرية الدينية للأفراد.
وفي هذه البلدان، يتم إدارة الشؤون الدينية بشكل منفصل عن الشؤون الحكومية، ويتم تمويل المؤسسات الدينية بواسطة المجتمع المدني أو الأفراد الخاصين، وبالتالي، يتمتع الفرد بحرية العبادة والمعتقد الديني دون تدخل من الدولة.
وفي بعض الدول الأوروبية الأخرى، يمكن أن تكون الديانات الرسمية للدولة، مثل الكنيسة الأنجليكانية في إنجلترا والكنيسة اللوثرية في السويد، ومع ذلك فإن العلمانية لا تزال تعني فصل الدين عن الحياة السياسية، وتضمن حرية المعتقد والعبادة للأفراد.
ومن المهم أن نذكر أن هذه العلاقة بين العلمانية والديانات المختلفة لا تعني بالضرورة عدم وجود توافق بين العلمانية والدين، فهناك العديد من الأشخاص الذين يمكنهم ممارسة الدين والتزام العلمانية في نفس الوقت.
وفي حال افترضنا أن أوروبا العلمانية ضد الدين فعلا، لماذا يتزايد عدد المسلمين ومساجدهم في أوروبا وكذلك الهندوس إلى جانب انتشار المسيحية؟ لماذا لا ترفض البلديات والمجالس المحلية منح التراخيص لبناء المساجد والكنائس والمعابد الأخرى؟
هل تشجع العلمانية على الإلحاد؟
دعم العلمانية والإنتقال إليها لا يعني بالضرورة تشجيع الإلحاد، العلمانية تعني فصل الدين عن الحياة السياسية والحفاظ على حرية المعتقد والعبادة للأفراد، ولا يتعارض هذا بشكل ضروري مع وجود الدين في المجتمع.
إقرأ أيضا:داسو رافال المقاتلات الفرنسية التي ستدمر سد النهضةبالإضافة إلى ذلك، فإن الإلحاد والعلمانية ليسا نفس الشيء، يمكن للإلحاد أن يكون له أصوله ومنشأه، ويمكن أن يتمارس داخل نظام علماني كما يمكن للدين أن يتمارس داخل نظام ديني يدعم الحرية الدينية.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن العلمانية والإلحاد يمكن أن يترابطان في بعض الحالات، حيث يمكن أن يتبنى بعض الأشخاص العلمانية كونها مفهوماً يسعى إلى فصل الدين عن الحياة السياسية والحفاظ على حرية المعتقد والعبادة، ومن ثم ينتهجون الإلحاد كمعتقد شخصي.
من أين جاءت كذبة أنها تنشر الإلحاد؟
مثل الكثير من المفاهيم الجديدة على العالم الإسلامي والعربي، تعرضت العلمانية لهجوم قوي من رجال الدين وأطراف الإسلام السياسي التي تتمسك بفكرة الخلافة الإسلامية وفرض الدين بقوة واقصاء الكفار والمنافقين والمخالفين دينيا لهم.
ويبدو أن الإنسان العربي والمسلم عدو ما يجهل، لذا أعلن الحرب على العلمانية معتبرا إياها خطرا على قيمه، بينما يمكن القول بأن النظام العلماني يتيح للأفراد حرية المعتقد والعبادة بشكل حر ومن دون قيود، كما يحمي حقوق الأقليات ويضمن المساواة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن ديانتهم أو عدم ديانتهم، ويوفر النظام العلماني أيضاً بيئة مناسبة للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمعتقدات.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتميز النظام الديني بمزايا كثيرة، مثل توفير الإرشاد الروحي والمعنوي للأفراد، وتعزيز القيم الدينية والأخلاقية في المجتمع، وتوحيد الناس حول الإيمان والمعتقد الواحد إلا أنه يمكن أن يتسبب في تعرض بعض الأفراد والأقليات للتمييز والتهميش، ويمكن أن يؤدي إلى الصراعات الدينية والانقسامات بين الناس كما هو الحال في العراق على سبيل المثال وفي الحرب الأهلية بسوريا.
إقرأ أيضا:هل يزداد الإحترار العالمي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؟لكن ليس الإنسان العربي والمسلم هو الوحيد الذي يحارب العلمانية، فهذه الحرب يشنها أيضا الهندوس واليهود المتعصبون دينيا ضد العلمانية، وهو ما يحدث في إسرائيل والهند حيث القوانين العلمانية تضمن التعايش لكن المتطرفين يريدون اقصاء المسلمين بالدولتين.
لتشويه العلمانية اليوم يتم ربطها بالإلحاد والكفر والمثلية الجنسية وحتى تشويه المنظمات والأطراف التي تدافع عنها.
إقرأ أيضا:
كيف ساهم رجال الدين والإسلام السياسي في ازدهار الإلحاد؟
السر وراء موضة حرق القرآن الكريم وإهانة النبي محمد
تكفير المثليين المسلمين وتشجيعهم على الإلحاد
ما هي فلسطين الروسية التي باعها الإتحاد السوفياتي لإسرائيل؟
روسيا لا تزال دولة استعمارية وهذه حقائق عن الإحتلال الروسي