إن اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله ليس فقط أهم عملية قتل مستهدف في تاريخ إسرائيل، بل إنه أيضاً الفصل الأول في مستقبل جديد أكثر أملاً للبنان، جارها الشمالي الذي عانى طويلاً.
وفيما يلي ستة دلالات لوفاة حسن نصر الله:
أولاً، بعد القضاء على القيادة السياسية والعسكرية لحزب الله بالكامل تقريباً، من عملية جهاز النداء المتفجر واللاسلكي المذهلة إلى قتل نصر الله، من غير المرجح أن تعلق إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، بل على العكس من ذلك، من المرجح أن تستغل إسرائيل حالة الفوضى التي يعيشها حزب الله لتفعل كل ما في وسعها لتدمير القدرات الهجومية للجماعة، بما في ذلك ترسانتها بالكامل من الصواريخ الموجهة بدقة وما تبقى من بنيتها التحتية للهجمات عبر الحدود في جنوب لبنان، ونأمل أن تحقق إسرائيل أهدافها بسرعة وتتجنب الجاذبية القاتلة المتمثلة في إعادة احتلال الأراضي اللبنانية على المدى الطويل.
وثانياً، من المرجح أن يزعم بعض القادة من المستوى الثالث الذين سوف يرثون السيطرة على حزب الله أن نصر الله ورفاقه كانوا عُرضة للخطر لأنهم كانوا يفتقرون إلى أحد الأصول التي كانت حماس تمتلكها في غزة منذ السابع من أكتوبر وقد يؤدي هذا إلى مؤامرات متهورة لاختطاف أجانب داخل لبنان، وجهود لشن غارات عبر الحدود إلى إسرائيل من خلال أنفاق تحت الأرض؛ وربما حتى تنشيط خلايا حزب الله الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في أميركا.
إقرأ أيضا:أسباب دعم تركيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتوثالثا، أظهرت إيران ــ راعية حزب الله ومموله ومورده ــ حتى الآن أنها تريد البقاء خارج هذه المعركة، ولكن تقاعسها قد يصبح مصدر إحراج حاد ويصعب تحمله، وبصفته عربيا، لم يكن نصر الله مهما لطهران بقدر أهمية قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي أدى مقتله في غارة بطائرة بدون طيار أميركية في عام 2020 إلى هجوم انتقامي ضد القوات الأميركية في شمال العراق، لكنه كان أقرب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي من أي شخص غير إيراني، وسوف يُنظَر إلى وفاته على أنها ضربة شخصية.
وفي هذا السياق، لن يكون من المستغرب أن تطلق إيران العنان لوكلائها ــ من الحوثيين في اليمن إلى الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا ــ ضد أهداف أميركية وحليفة وإسرائيلية، ولا يمكن استبعاد الإرهاب المدعوم من إيران ضد الأهداف السهلة في الغرب، وبما أن إيران اعتمدت على حزب الله كرادع ضد أي هجوم مباشر من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن ضعف المجموعة يعني أن إيران أقل ميلا إلى شن هجوم انتقامي ضد إسرائيل، على غرار وابل الصواريخ والطائرات بدون طيار الذي أطلقته في الثالث عشر من أبريل، والأمر المجهول الرئيسي هنا هو ما إذا كان شعور إيران بالضعف من شأنه أن يؤدي إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها النووية، حيث أصبح قادتها الآن أكثر تصميما على اكتساب القدرة على امتلاك الأسلحة في أسرع وقت ممكن للتعويض عن خسارة حزب الله.
إقرأ أيضا:آية قرآنية تؤيد تأسيس البيت الإبراهيمي في الإماراترابعا، إن لبنان في حالة صدمة من التغيير المفاجئ في وضع حزب الله، فقبل أيام قليلة فقط، كان حزب الله القوة التي لا جدال فيها في البلاد، وراء مجرد واجهة لحكومة وهمية، والآن، هناك لحظة من الفرصة للعناصر المتفرقة والمتنازعة في كثير من الأحيان في تحالف مناهض لحزب الله لتنظيم نفسها قبل أن تجد بقايا حزب الله موطئ قدم لها وتحاول إعادة فرض سيطرتها.
إن أحد المتغيرات الرئيسية هو ما إذا كانت القوات المسلحة اللبنانية تعتقد الآن أنها قوية بما يكفي نسبيا لتأكيد سلطتها باسم الدولة ولديها التماسك والقيادة لاتخاذ هذه الخطوة المصيرية، والسؤال الآخر هو ما إذا كانت الجهات الفاعلة الخارجية ــ من واشنطن إلى باريس إلى الرياض ــ سوف تنسق بشكل فعال لتمكين الحلفاء المحليين من ملء الفراغ الذي خلفته حالة الفوضى التي يعيشها حزب الله، ربما تكون إسرائيل قد أعدت المائدة، ولكنها لا تستطيع أن تقدم وجبة البنية السياسية اللبنانية الجديدة، وحدهم اللبنانيون أنفسهم ــ بمساعدة أصدقائهم الأجانب ــ قادرون على القيام بذلك، ولكن الاحتمال أصبح أكثر واقعية اليوم مما كان عليه في أي لحظة في الذاكرة الحديثة.
خامسا، مع اقتراب الذكرى السنوية لهجوم حماس في السابع من أكتوبر، فإن النجاح الإسرائيلي المذهل في لبنان سوف يخلف تأثيره الخاص على غزة، والنتيجة الأكثر وضوحا هي تصلب معارضة يحيى السنوار من حماس لتسليم الرهائن في اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يستنتج على الأرجح أن الاحتفاظ بهذا “الأصل” أبقاه على قيد الحياة بعد ما يقرب من عام من الحرب.
إقرأ أيضا:فلسطين وإسرائيل: الأرض المقدسة أم الأرض الملعونة؟ومن المرجح أن تكون النتيجة تجميد الوضع الراهن غير المرضي في غزة، حيث اكتملت العمليات القتالية الرئيسية لإسرائيل بشكل فعال ولكن الوضع لا يزال في حالة من الغموض، وفي هذا المأزق، لا تستطيع حماس أن تشكل تهديدا عسكريا خطيرا لإسرائيل، ولكن بقايا قوتها القتالية تظل كافية لإرهاب السكان المحليين ومنع أي شخص آخر من حكم قطاع غزة، وفي هذا الوضع، فإن الخاسرين الحقيقيين هم الفلسطينيون المحليون، الذين من المرجح أن يظلوا محاصرين بين عصابات الشوارع المتجولة من ألوية حماس المتضائلة ولكنها لا تزال قوية والعمليات المستهدفة لمهام مكافحة الإرهاب الإسرائيلية في غزة.
سادساً، ينبغي أن يكون مقتل نصر الله بمثابة لحظة تفرح فيها الولايات المتحدة بتحقيق العدالة، نظراً لدماء مئات الأميركيين التي تلطخت أيدي حزب الله، ولكن هذه أيضاً لحظة مناسبة لإدارة بايدن لتحويل التركيز من سعيها المستميت لوقف إطلاق النار في غزة إلى الاستفادة من الفرص التي أتاحتها الصدمة الزلزالية التي أحدثتها إسرائيل على حزب الله.
وباستخدام الدبلوماسية الحازمة والمنخرطة، تستطيع إدارة بايدن المساعدة في هندسة نظام أمني جديد يسمح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان والعمل مع الشركاء المحليين والدوليين للمساعدة في بناء بنية سياسية جديدة للبنان.
هذا ليس اتفاق السلام والتطبيع السعودي الإسرائيلي الذي كانت إدارة بايدن تأمل في تركه كإرث – على الرغم من أنه قد يكون هناك قضمة أخيرة من هذه التفاحة أثناء فترة الانتقال الرئاسي – ولا حتى وقف إطلاق النار في غزة الذي عمل البيت الأبيض من أجله لشهور، ولكن بعد عام من المأساة والحزن، سيكون هذا تقدمًا حقيقيًا، في الوقت نفسه، من الضروري أن تحذر واشنطن طهران من الثمن الباهظ الذي ستتكبده إذا قررت الاندفاع نحو القدرة على امتلاك الأسلحة النووية.
من خلال البناء على مقتل نصر الله على يد إسرائيل، تتاح للرئيس بايدن الفرصة لترك الشرق الأوسط اليوم أفضل مما كان عليه في الثامن من أكتوبر، وهو إنجاز ليس بالهين.
بقلم: روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.
إقرأ أيضا:
بنيامين نتنياهو: لاعب الشطرنج الذي دمر الأغبياء المتهورين
كوشنر: هذا مصير ايران وأدواتها بعد مقتل حسن نصر الله
لماذا لا تهاجم إيران إسرائيل؟ ما سر السياسية الإيرانية؟
ماذا سيحدث بعد اغتيال حسن نصر الله؟
إلى أين تتجه الحرب في لبنان والتي أشعلها حزب الله الحسيني؟
تاريخ حرب حزب الله وإسرائيل من 1982 إلى اليوم
خازوق سوريا بشار الأسد لإيران وحزب الله