يتطلع المغرب إلى زيادة رصيده من العناصر المدرجة على قائمة التراث غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من خلال إضافة “القفطان المغربي”.
وبعدما سجل المغرب فن الكناوة وأكلة الكسكس وتقليد التبوريدة وغيرها من العناصر على القائمة، يترقب المسؤولون ورواد عالم الموضة والأزياء انعقاد الجلسة السابعة والأربعين للجنة اليونسكو للتراث العالمي في بلغاريا في يونيو، ويوليو 2025 بمشاركة نحو 1500 وفد من 150 دولة للنظر في ضم القفطان المغربي للقائمة.
والقفطان المغربي هو رداء تقليدي مكون من قطعة واحدة، وغالباً ما يكون مزركشاً، ومطرزاً بخيوط من حرير أو خيوط ذهبية أو فضية، وقد يرصعه الصانع المغربي ببعض الأحجار المتلألئة على أقمشة فاخرة كالحرير أو المخمل (القطيفة) أو الدانتيل، بينما يطلق على الرداء التقليدي المغربي النسائي الذي يشبه القفطان ولكنه من قطعتين “التكشيطة”.
ولا تكاد تخلو مناسبة مغربية، سواء رسمية أو اجتماعية أو دينية، من حضور القفطان كزي مميز للنساء يجمع بين الأصالة والفخامة والرقي ويناسب مختلف الطبقات والأذواق.
ويقول باحثون إن القفطان المغربي، الذي يعود تاريخه إلى عصر الموحدين في القرن الثاني عشر الميلادي، خضع لتحولات عديدة عبر التاريخ حيث بدأ بالشكل الذي يقارب المتعارف عليه حالياً قبل أن تطرأ عليه بصمة العصر الأندلسي ثم تطورات أخرى.
إقرأ أيضا:من هو السعودي المسحور في المغربالقفطان المغربي.. حرفة متوارثة
تقول أسماء زرويل وهي جالسة في بهو منزلها التقليدي بمدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط: “في عائلتي توارثنا حرفة صنع تفاصيل القفطان، فأنا أصنع العقاد” وهي تفاصيل صغيرة تشبه العقد أو الأزرار تغلق مقدمة القفطان التي تكون مقسومة إلى نصفين بالتساوي.
وتضيف: “كما أن أمي كانت طوال حياتها، رحمة الله عليها، تصنع الراندا والضرس والشبكة وهي أنماط من الخياطة المتشابكة بخيوط حريرية، وأختي تصنع المجادل وهي نوع من الأحزمة التقليدية على شكل ضفائر مطرزة من الحرير”.
وتسترسل أسماء قائلة: “كنا مثلا نتكلف أمي وأنا وإخوتي بشوار العروسة من البداية للنهاية، وعشنا من هذه الحرفة” في إشارة إلى الملابس التقليدية التي تجهزها العروس المغربية من قفاطين وتكاشيط وغيرها.
وبمرور الزمن تأثر القفطان المغربي باتجاهات الموضة، وحاول مواكبتها إلا أن “القفطان المغربي التقليدي بفصالته المخزنية يبقى هو الأصل” كما تقول وفاء صديقة وجارة أسماء في سلا وهي خياطة قفاطين تقليدية.
والمقصود بتعبير “الفصالة المخزنية” القفطان المغربي التقليدي كما لبسته النساء داخل البلاط الملكي عبر التاريخ.
أصالة ومعاصرة
وغير بعيد عن منزل أسماء وجارتها وفاء، يقع محل قفاطين مونية رمسيس في أحد أحياء المدينة التي تعج بالحركة، وتقول مونية لـ”رويترز”: “الإقبال كبير على القفطان المغربي خاصة من طرف الفنانين المغاربة والعرب”.
إقرأ أيضا:ترتيب مجموعة غانا في كاس العالم 2024وتضيف مونية وهي محترفة في تصميم وخياطة القفاطين منذ 26 عاماً: “القفطان سواء بالسفيفة البلدية أو بالخياطة التقليدية.. تبقى خياطة القفطان التقليدية من أرقى أنواع الخياطة”، والسفيفة البلدية هي خيوط حريرية مفتولة ومنمقة بطريقة فنية معقدة تستعمل في زركشة القفطان.
وتقول مونية: “لكن نحن نحاول عصرنة القفطان حتى يواكب الأجيال الجديدة”، وتضيف أنها تحاول أن تنوع في “الزركشة والتطريز، والتنبات (وهي خياطة وإلصاق العقيق في الثوب) وكذلك في التصاميم” مؤكدة أن “القفطان في تطور يومي ومنفتح على العصر”.
واستوحى عدد من المصممين العالميين المشهورين القفطان المغربي في تصاميمهم، خاصة إيف سان لوران، الذي عاش في المغرب، وجون جاليانو وفالنتينو.
متغيرات طالت الصنعة
القفطان المصنوع بطريقة تقليدية مكلف جداً وقد يصل سعره إلى عشرات الآلاف من الدراهم، لكن التكنولوجيا التي طالت أيضا القفطان فتحت الباب أمام التطريز باستخدام الكمبيوتر من خلال نسخ نقوش وتطريزات تقليدية بطريقة سريعة مما خفض كلفته وجعله في متناول الفئات المتوسطة ومحدودي الدخل.
وكذلك خياطته بآلات الخياطة السريعة بدلاً من الإبرة التقليدية جعلته أرخص وفي المتناول، لكن هذا التغيير لا يروق للمصممة المغربية زهور الرايس التي برعت في مجال تصميم القفاطين المغربية منذ 40 عاماً.
وقالت زهور لـ”رويترز”: “منذ صغري وأنا مفتونة بالقفطان، كنت أرى عماتي في مدينة مراكش وهن يلبسن قفاطين تقليدية ساحرة وأساور ذهبية وينتعلن شربيلا (خف مغربي تقليدي)، من هنا افتتنت بالقفطان”.
إقرأ أيضا:تفسير رؤية اللصوص في المنام لابن سيرينوتعتبر زهور أن “القفطان له سحر خاص وفخامة لا يدركها إلا من ترعرع في بيئته” لذلك لا يعجبها تحويل القفطان المغربي التقليدي إلى ما يشبه فستان السهرة.
وأوضحت: “قفطاننا جميل وراق كما هو، وليس هناك داع لتعريته من جهة الصدر، أو إضافة فتحة طويلة عليه من جهة الساق أو جعله ملتصقا بالجسد.. فالأجدر هنا اقتناء فستان سهرة وليس قفطانا”، واعتبرت أنه “مهما غيروا في القفطان سيعودون إلى الأصلي التقليدي، الذي يشتغل فيه أكثر من صانع وبطرق تقليدية”.
وأضافت أن الصناع التقليديين الذين هم في الغالب بسطاء “موهوبون بالفطرة، ويمارسون (الهوت كوتير) من دون أن يتعلموا في مدارس عالية التكوين، بل توارثوه عن الأجداد ومن هنا جاء اهتمام الأجانب بالقفطان المغربي لأنهم يعرفون المراحل الدقيقة التي تمر بها صناعته، وحجم موهبة صانعيه”.
ومع تزايد اهتمام الأجانب بصناعة القفطان المغربي في بعض المدن، خاصة طنجة ومراكش، وفتح محلات لتصميمه وتسويقه سواء داخل المغرب أو خارجه تبدي زهور تخوفها من هيمنة منطق التجارة العشوائية.
وقالت إنه على “الجهات الحكومية أن تتدخل لحماية هذا التراث العريق وأن تساعد الصناع التقليديين وتحميهم، حتى يحافظوا على المهنة”.