دائما ما تروج روسيا لنفسها على أنها ليست دولة توسعية ويصدق الأفارقة هذه الكذبة، خصوصا وأنها حاولت ذات مرة احتلال جيبوتي ومدغشقر وربما التوسع إلى مصر والسودان لكن فرنسا طردتها.
غالبًا ما يكون هناك حديث حول عدم قيام روسيا باستعمار أفريقيا مطلقًا، ولكن ما تم استبعاده هو أنهم حاولت بالفعل اتباع دليل المستعمر وفشلت.
في عام 1889، طالبت روسيا بقرية ساجالو في جيبوتي الحالية، في ذلك الوقت كانت جيبوتي منطقة ذات أهمية خاصة لفرنسا، في وقت لاحق أصبحت البلاد محمية فرنسية تعرف باسم أرض الصومال الفرنسية.
نشأت مشاركة روسيا الأولية في القارة الأفريقية جزئياً من رغبتها في الحصول على شريحة من الهند، والتي أصبحت فيما بعد نقطة التركيز التالية للغزو الأوروبي، كان التحدي الروسي هو الوصول إلى جنوب آسيا.
وخلال القرن الثامن عشر الميلادي، اتجهت روسيا إلى مدغشقر حيث ثبت أن موقعها محوري للوصول إلى المحيط الهندي. كان نيتها أن تعمل مدغشقر كبوابة لروسيا إلى الهند، كانت هناك آمال في أن تصبح مدغشقر محمية روسية ومع ذلك، كان فرنسا لم تسمح بذلك.
شهد القرن التاسع عشر قيام روسيا بالتخطيط لدخولها القارة الأفريقية، تم وضع الخطة الأولى من قبل بوري أوسبنسكي، وهو راهب أرثوذكسي روسي سعى إلى تضخيم نفوذ روسيا في القارة، على وجه التحديد إثيوبيا، من خلال الدين.
إقرأ أيضا:ماذا سيحدث بعد اغتيال حسن نصر الله؟يبدو أن ما نسيته روسيا هو أن المسيحية وصلت إلى إثيوبيا في القرن الرابع ولم يكن السكان المحليون بحاجة إلى مستعمرين يخبرونهم بكيفية التواصل روحياً.
ما هو العذر الآخر الذي اختلقته روسيا لغزو اثيوبيا وشرق أفريقيا؟ كان الهدف هو متابعة الحملة الكلاسيكية “إفريقيا تحتاج إلى الحضارة” في إثيوبيا، مما يجعل الأمة منارة وما يسمى بالتمثيل الإيجابي لأفريقيا.
ومع ذلك مرة أخرى لم تنطلق هذه الخطة حقًا، ثم جاء نيكولاي إيفانوفيتش أشينوف، الذي أسس مستعمرة روسيا الأفريقية غير الناجحة والقصيرة العمر، موسكو الجديدة.
بشكل عام فشلت روسيا في غزو الدول التي كانت تستهدفها في شرق افريقيا، حيث كانت تريد أن تبدأ رحلتها لاحتلال افريقيا من جيبوتي ومدغشقر ومن ثم اثيوبيا وتوسعا شمالا إلى السودان ومصر والتوجه شرقا إلى اليمن ومنه إلى الخليج والهند.
كانت القوى الأخرى مثل فرنسا وبريطانيا أقوى من الإمبراطورية الروسية لهذا لم تستطع موسكو تحقيق أي انجاز في القارة السمراء بنهاية الأمر وذهبت للتركيز على الدول المجاورة لها في آسيا وأوروبا.
وعلى ما يبدو فإن روسيا لم تنسى طموحاتها وأطماعها في القارة السمراء، اليوم وبعد عقود من استقلال دول أفريقيا ونهاية الإستعمار الغربي، تلعب الدولة الروسية لعبة خبيثة في القارة حيث تستغل الفوضى للتسلل إلى داخل أفريقيا لتستغل المناجم والثروات.
إقرأ أيضا:فلسطين وإسرائيل: الأرض المقدسة أم الأرض الملعونة؟في الوقت الحالي تشارك الشركة في القتال في الحرب الأهلية السودانية الجارية، وقد تم الإبلاغ عن وجود مقاتلين تابعين للشركة في السودان.
تشارك شركة فاغنر في الصراعات المسلحة في عدة دول، وتتميز بالتعامل بشكل غير شفاف وغير قانوني في العديد من الحالات. وقد أثارت وجود الشركة في السودان ومشاركتها في الحرب الأهلية الجارية العديد من الانتقادات والشكوك من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية، حيث يتم الاتهام بأنها تزيد من تعقيد الصراع وتفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد.
يذكر أن السودان يحتوي على كميات كبيرة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والبترول والغاز الطبيعي والفحم والفوسفات والحديد، وهي موارد تجذب العديد من الشركات الدولية والمستثمرين، وتشير بعض التقارير إلى أن موسكو تحصل على الذهب من السودان بطرق غير قانونية بالتعاون مع الفاسدين في الحكومة.
وقبل الحرب الأهلية الحالية تم تداول تقارير تشير إلى أن روسيا تجري محادثات مع السودان لبناء قاعدة عسكرية في البلاد، وذلك في إطار التوسع العسكري الروسي في العالم. وقد صرح مسؤولون سودانيون بأن هناك محادثات جارية مع روسيا بشأن التعاون العسكري وهو ما يقلق مصر تحديدا.
يجب الإشارة إلى أن روسيا قد زادت نشاطها العسكري في العديد من الدول في السنوات الأخيرة، مما أثار القلق بشأن التأثير الجيوسياسي للنفوذ الروسي في المنطقة. وقد تم بالفعل بناء قواعد عسكرية روسية في سوريا وليبيا، ويبدو أن روسيا تسعى لتوسيع تواجدها العسكري في العالم.
إقرأ أيضا:عندما تكون أمريكا هي الله عند أهل نظرية المؤامرةكما تم الإبلاغ عن تواجد شركة فاغنر الروسية في مالي، وقد تم تصنيف الشركة على أنها شركة أمنية خاصة تعمل بدعم من الحكومة الروسية. يشارك مقاتلون تابعون لشركة فاغنر في صراعات مالي المسلحة، ويتم استخدامهم في القتال ضد الجماعات المسلحة المتطرفة وفي تأمين المنشآت والمرافق الحيوية في البلاد.
وقد أثار تواجد شركة فاغنر في مالي العديد من الانتقادات والشكوك بشأن دور الشركة والحكومة الروسية في تأجيج الصراعات في المنطقة وتفاقم الوضع الأمني في مالي.
وقد اتهمت بعض الجهات الدولية الشركة بتجنيد الجنود والمقاتلين من دول العالم النامي وإرسالهم إلى مناطق الصراع في صالح الحكومة الروسية، وهو ما يثير القلق بشأن استغلال الفقر والظروف الصعبة للأفراد في تجنيد الجنود.
كما أكدت التقارير عن تواجد شركة فاغنر الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى (CAR)، وقد تم تصنيف الشركة على أنها شركة أمنية خاصة تدعمها الحكومة الروسية.
يشارك مقاتلون تابعون لشركة فاغنر في الصراعات المسلحة في CAR، ويتم استخدامهم في القتال ضد الجماعات المسلحة المتطرفة وفي تأمين المنشآت والمرافق الحيوية في البلاد.
كما تشير التقارير إلى أن روسيا تشعر بالاهتمام بليبيا منذ الثورة الليبية في عام 2011، وتسعى إلى تعزيز تواجدها في البلاد على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي. وقد زادت النشاطات الروسية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، حيث تم تزويد الجيش الوطني الليبي المدعوم من قبل حكومة الشرق الليبي بالأسلحة والمعدات العسكرية من قبل روسيا، وتدخلت روسيا بشكل مباشر في دعم القوات الموالية للجيش الوطني في الصراعات المسلحة في البلاد.
وتبذل روسيا أيضاً جهوداً لتحقيق مكاسب اقتصادية في ليبيا، وقد أبرمت اتفاقيات مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في مجالات مثل النفط والغاز والبنية التحتية، وتهدف روسيا إلى تعزيز تواجدها في البلاد في إطار استراتيجيتها العالمية وتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا.
اليوم هناك صراع روسي مع الغرب حول افريقيا، وبينما يتمسك المستعمرون القدماء بالإتفاقيات والعقود مع الحكومات، تدعم روسيا الإنقلابات العسكرية والفوضى كي تصل إلى السلطة في تلك الدول حكومات موالية لموسكو وتتدخل عسكريا من خلال فاغنر.
ويمكن القول أن هذه هي أقوى محاولة من روسيا لاحتلال القارة السمراء، وقد لاحظنا في الأشهر الأخيرة وقوع العديد من الإنقلابات وحصول مواجهات عسكرية بين الجيوش النظامية والمنقلبين أو فصيل عسكري ضد فصيل آخر كما يحدث في السودان لتعزز روسيا من وجودها هناك.
ويفتح الإنقلاب العسكري في النيجر مؤخرا الباب لروسيا من أجل التوسع إلى هذا البلد وقلب الطاولة على فرنسا التي تتمتع بنفوذ اقتصادي وتجاري في هذا البلد الأفريقي، واليوم تتواجد روسيا عسكريا من خلال فاغنر في 7 دول وهي السودان وليبيا وتشاد والنيجر وموزمبيق وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو.
إقرأ أيضا:
عن فشل القمة الروسية الأفريقية وعزلة روسيا المتزايدة
ما هي الوحدوية الروسية التي يؤمن بها فلاديمير بوتين؟
أطماع روسيا بوتين تعيدنا إلى الحركة الإستعمارية الروسية الكبرى
روسيا لا تزال دولة استعمارية وهذه حقائق عن الإحتلال الروسي
ارتفاع أسعار القمح 8.5%: روسيا تضرب الأمن الغذائي العالمي
عواقب انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية
حقائق حول ممر سوالكي بين بولندا وليتوانيا وتهديدات روسيا
من انقلاب فاغنر إلى انقلاب تركيا على روسيا بوتين المتهالكة
موقف روسيا بوتين والصين من غزو العراق 2003
هل روسيا ظالمة أم مظلومة؟ هذا رأي صديق بوتين