منذ عام 2013، انتقل عشرات الآلاف من الشباب المسلمين نحو الإلحاد في خسارة فادحة لثاني أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية، وارتفعت نسبة اللادينيين من 8% إلى 13% ووصلت في تونس إلى 30% حسب استطلاع أجربته بي بي سي.
ورغم ذلك يتعامل رجال الدين في الإسلام اليوم مع الأمر وكأنها مشكلة عادية، رغم جهود بعض الشباب سواء في الرد على الفكر الإلحادي أو استخدام الآخرين الأكاذيب لنصرة الإسلام، فيما آخرين يحتفلون بإسلام المتطرف اندرو تيت ويعتبرونه انتصارا للإسلام والمسلمين.
تمدد الإلحاد بسبب أخطاء رجال الدين والإسلام السياسي
وبينما يركز هؤلاء على نشر الإسلام في أوروبا والدول الأخرى يتمدد الإلحاد والتمرد على الدين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل لافت.
حتى الكثير من أنصار التيار الإسلامي بالأمس انتقلوا اليوم إلى تيارات يسارية أو ليبرالية وتخلوا عن تدينهم مع احتفاظهم بديانتهم وهم يواجهون لغة التكفير ما قد يدفع فئة منهم إلى ترك الدين.
ولا يمكننا فصل هذه الظاهرة التي كانت حاضرة دائما في تاريخ الإسلام عن أخطاء رجال الدين والإسلام السياسي في السنوات الماضية.
وكي نفهم هذه الظاهرة فهي ببساطة اقتناع المرء بأن دينه (الإسلام) مجرد ديانة قائمة على الخرافات والأكاذيب واختياره الإنتقال إلى وضع لا يؤمن فيه بالرسالة المحمدية أو ربما يؤمن بالله ولكن بدون ديانات (الربوبية).
إقرأ أيضا:3 أسباب وراء رفض الصين التحالف مع روسياإن هذا الإنتقال مؤلم بالنسبة للمسلمين، لأن هذا الشخص عاش حياته في عائلة إسلامية وفي بيئة دينية ومن ثم انقلب على دينهم وقرر تركه للأبد.
ما هي أخطاء الإسلام السياسي التي شجعت على الإلحاد؟
لطالما قيل أن الإسلام دين يحث على الإرهاب والإجرام، وعندما جاء الإسلام السياسي أكد هذه التهمة على الديانة الإسلامية بشكل واضح، وكانت داعش والنصرة والقاعدة وعدد من التيارات الإسلامية العسكرية قد أكدت ذلك بما لا يدع الشك.
في بداية الحرب السورية تحديدا كانت تركيا وقطر والسعودية والقوى الأخرى في المنطقة تدعم التيارات الإسلامية بشكل واضح، وكانت تدعم الحرب في سوريا بالسلاح والمال والعتاد وظهرت لنا داعش التي تشبعت بالفكر الوهابي وتستند في أحكامها إلى اجتهادات شيخ الإسلام ابن تيمية.
وبعد سقوط الرئيس السابق مرسي في مصر وتغير النهج الأمريكي لتعلن الولايات المتحدة والناتو وروسيا حربا على داعش، غيرت المملكة السعودية هي الأخرى نهجها وكان التغيير واضحا مع وصول آل سلمان إلى الحكم.
حينها تم تكفير داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وتغير الخطاب الإعلامي في وسائل الإعلام العربية والإسلامية التي اعتبرت تلك الجماعات بأنها من خوارج آخر الزمان وليسوا من أهل السنة والجماعة.
فشل التيار الإسلامي في النهوض بمصر التي عانت من فوضى التفجيرات والإضطرابات بعهد مرسي، وكذلك فشل في سوريا وليبيا وأعطى عن نفسه صورة دموية إرهابية.
إقرأ أيضا:كيف ستكون نهاية حماس ونتنياهو وقطر في حرب غزة؟والنتيجة بعد أن ذهب آلاف الشباب من تونس ومصر والمغرب والعالم العربي إلى ما يسمى الجهاد في سوريا وهي دعوة أيدتها الحركة السلفية في البداية قبل أن تتراجع عنها لاحقا، انتكس الشباب دينيا وألحد الكثير منهم.
مع هجرة 5.5 مليون سوري إلى دول الجوار وأوروبا، أعلن الكثير منهم انتقالهم إلى المسيحية وأكثرهم في ألمانيا أو الإلحاد وأغلبهم في السويد والنرويج.
ولم يختلف الحال كثيرا بالنسبة للأكراد المسلمون الذين تعرضوا في السنوات الماضية لهجمات عنيفة من داعش، وقد ترك الكثير منهم الدين الإسلامي كنتيجة لذلك.
من جهة أخرى لا يزال الكثير من الشباب العرب والمسلمين يحافظون على اسلامهم، لكنهم انتقلوا من السلفية والتيارات الإسلامية الأخرى مثل الإخوان إلى الليبرالية والعلمانية واليسارية، وقد رأينا العديد من رموزهم يتراجعون عن مواقفهم السابقة، في المغرب مثلا انتقل السلفي محمد عبد الوهاب رفيقي من السلفية إلى فكر أقرب إلى العلمانية.
أخطاء رجال الدين التي شجعت الإلحاد
من جهة أخرى فإن توفر الإنترنت على نطاق واسع وتوفر النقاشات على الشبكات الاجتماعية في أمور الدين، قد وفرت للشباب الوصول إلى الأحاديث النبوية والإطلاع عليها بسهولة، وكان ضمنها ما يتنافى مع العقل أو حتى مع القرآن.
ويرفض رجال الدين وأغلب المؤسسات الدينية في العالم العربي إعادة مراجعة التراث خصوصا صحيح البخاري الذي يحتوي على مئات الأحاديث التي يقال أنها مكذوبة.
إقرأ أيضا:احتجاجات إسرائيل انتصار للديمقراطية ونهاية الحكومة المتطرفةمن جهة أخرى فإن تبريرات رجال الدين لحرق مصحف ابن مسعود مثلا، والصراعات السياسية بعد وفاة النبي، وحادثة قصة الغرانيق وعدد من القضايا الأخرى كانت ضعيفة وهو ما زاد من الشك في النفوس.
كل هذا بالتوازي مع صعود القرآنيين والعقلانيين الذين يملكون الحجة والأدلة القوية على منطقية نهجهم، وأن القرآن هو الصحيح الوحيد، ودعوتهم للتركيز على الرسالة القرآنية وليس على حياة النبي الذي لعب دور ساعي البريد فقط أو الصحابة الذين ارتكبوا أخطاء وجرائم وهم مثلنا مجرد بشر.
ويطرح الشباب اليوم أسئلة قوية، إذا كانت أخلاق الصحابة هي القرآن مثل النبي محمد، لماذا سفكوا دماء بعضهم البعض؟ لماذا في القرون الأولى للإسلام تعرضت الكعبة ومكة للإعتداء مرتين على الأقل إذا كان المسلمين من أولى قرون الإسلام أفضل؟
هذا إلى جانب الخوض في الحياة الجنسية للرسول، حيث نجد في التراث الإسلامي الكثير من القصص والروايات التي تخوض في الحياة الخاصة للنبي محمد، ما يعد محبطا للكثير من الشباب أو شوه صورة النبي في عقولهم.
كل ذلك وضعف البراهين والإستدلال لدى رجال الدين وتكرارهم نفس الأجوبة التي كانت حاضرة منذ قرون والجمود في الفكر الإسلامي شجع الشباب على الإلحاد أو على الأقل البقاء على الإيمان بالله وانكار الديانة الإسلامية.
إقرأ أيضا:
عن الإسلام الذي ينشره أندرو تيت بين المراهقين والشباب
تركيا دولة علمانية يرفض شعبها الدستور الإسلامي
موقف الإسلام والمسيحية واليهودية من الذكاء الإصطناعي
أعداء الديمقراطية والعلمانية في الهند وإسرائيل والعالم العربي والإسلامي
تركيا أردوغان تتخلى عن مشروع الإسلام السياسي الفاشل