لطالما تعرضنا للضرب المبرح من آبائنا والمعلمين والمربيين وإمام المسجد الذي يدرسنا القرآن، ومبررهم واحد، هذا في مصلحتنا، لكن الحقيقة مختلفة، السادية هي المحرك الأساسي لهذه الإساءات الجسدية التي تنتقل من جيل لآخر.
نتحدث هنا عن التلذذ بتعذيب الأبناء وضرب الأطفال، وهذه الفئة تستمتع بالفعل بالضرب وتبدع فيه، وتبحث عن سبل ووسائل جديدة لممارسته ضد الأبناء وضد أطفال الآخرين.
والنتيجة واضحة، مجتمع متسامح مع الضرب والإساءات الجسدية واللفظية، في الزواج والمدرسة والبيت والشارع ومكان العمل، وهذا يفسر تزايد العنف الزوجي وأيضا العنف في الشوارع وتدهور الأخلاق والسلوكيات العامة.
يشكل ضرب الأطفال جزء لا يتجزأ من تعليميهم وتربيتهم للأسف، والنتائج اليوم بحر من الحثالة والضحايا، حثالة يمارسون ما تعرضوا له ضد أبنائهم، وضحايا يحاولون التعافي من طفولتهم القاسية.
تظهر الأدلة العلمية أن السادية ناتجة في المقام الأول عن مجموعة من العوامل الوراثية والنفسية، بعض التأثيرات البيئية والثقافية والدينية والسياسية تشجع أيضًا التفضيلات السادية، على هذا النحو، فإن السادية هي في الغالب مزيج من السمات المكتسبة.
السادية، بالإضافة إلى السيكوباتية والنرجسية والميكيافيلية، هي سمات شخصية “رباعي الظلام” أو “عامل D” التي يمكن أن تقود الناس إلى الانخراط في سلوكيات استغلالية ويفتقرون إلى التعاطف والندم.
غالبًا ما توجد سمات الشخصية هذه في الأشخاص المتلاعبين والقاسيين والعدوانيين، تُظهر جميع سمات العامل D مكونات وراثية متوسطة إلى كبيرة ووراثة جزئية، مما يعني أن الأشخاص ذوي الميول السادية هم أكثر عرضة لأن يكون لديهم أقارب ساديون أيضًا.
إقرأ أيضا:سياحة الفضاء ستزيد من أزمة تغير المناختم ربط السادية بتشوهات في الفص الصدغي في الدماغ ومشاكل في وظيفة الدماغ، وتحديداً في المناطق المسؤولة عن التعاطف والندم والرحمة، تظهر الأبحاث أن تشوهات الدماغ تغير نظام الغدد الصماء، والذي يرتبط بدوره بالقوة التي يستخدمها الساديون في أنشطتهم السادية.
يعد هذا الجانب المظلم شائعا لدى الآباء والأسرة التربوية الذين لا يشعرون بأي تأنيب أو العار بعد ضرب الأطفال، بل إن الأمر يمكن إن يتطور مع مرور الوقت، ما يجعل حدة الضرب ومدته يزداد مع الممارسة المتكررة.
يحاول هؤلاء من خلال الضرب اقناع الأطفال بالتوقف عن ارتكاب نفس الأخطاء، ولكنهم يعلمون أن الطفل قد يكرر نفس التصرف وقد يكون بشمل متعمد منه، في صراع نفسي خفي بينه الشخص السادي.
لكن لماذا لا يتوقف هؤلاء عن الضرب بما انه لا يشكل أداة فعالة لتغيير سلوكيات الأطفال؟ الجواب التلذذ بتعذيب الأبناء وضرب الأطفال، الأمر ممتع بالنسبة لهؤلاء، كما يستمتع شخص مريض بتعذيب الحيوانات أو قتلها أو حتى اغتصاب الناس أو قتل فئة معينة من الناس، إنها امراض نفسية قبل كل شيء.
من جهة أخرى يستخدم الآباء الضرب كوسيلة للتنفيس عن غضبهم الناتج عن مشاكل العمل والمال والمشاكل الزوجية أيضا، وهو ما يزيد من الإساءات اللفظية والجسدية ضد الأطفال في هذه الفترات الصعبة.
قد تترك تلك الإساءات وعذا غالبا ندبات وآثار على أجساد الأطفال تختفي بعد أيام أو أسابيع قليلة، لكنها على المستوى النفسي تترك آثارا لا تزول إلا بأن يعالج الشخص نفسه أو يخضع للعلاج النفسي بإرادته، ومع ضعف اللجوء إلى الأطباء النفسيين يزداد عدد الآباء والأزواج الساديين وتستمر العملية نفسها.
إقرأ أيضا:ما المانع الإلحادي؟ الرد على الجاهل بالأخلاق العلمانيةوبناء على ذلك يجب أن تعمل الحكومات العربية على اصدار قوانين تجرم ضرب الأطفال كما هو الحال في عدد من الدول الغربية التي يمكن أن تعاقب الآباء بأخذ الأبناء منهم، خصوصا إذا تبث أنهم مرضى نفسيين ويستمتعون بالضرب المبرح والإساءات لأبنائهم.
وتكشف هذه المشكلة واحدة من الجوانب المظلم للإنجاب، حيث الضحايا يتحولون إلى حثالة ويجلبون ضحايا آخرين ويمارسون عليهم الضرب وينتجون لنا حثالة جدد يمارسون ذلك على أبنائهم.
إقرأ أيضا:
آثار المجاعة وسوء التغذية على الأطفال
تجارة دعارة الأطفال التي تهدد السياحة في ماليزيا
تراجع معدلات الإنجاب والزواج بسبب انهيار الجنيه المصري
مشكلة تقلص حجم دماغ الأب بعد الإنجاب
علاقة الإنجاب مع الفقر ومتلازمة التوالد والبؤس
الإنجاب هو ظلم كبير في عصر التغير المناخي