عندما نتحدث عن الحلم الأمريكي فنحن نتحدث عن عالم الحرية والعلمانية والعقلانية والمدنية والمساواة يمكن لأي شخص فيه النجاح تعليميا وماليا واجتماعيا، لكن هناك في المقابل الحلم الصيني وهو مصطلح صاعد منذ وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة.
تعرف جيدا جمهورية الصين الشعبية أن الولايات المتحدة الأمريكية قوة متكاملة، فهي ليست قوة عسكرية عظمى فقط بل أيضا اقتصادية وثقافية واللغة الإنجليزية هي الأكثر انتشارا في العالم ولديها الإنتاج السينمائي المتفوق عالميا في المبيعات والإنتشار وأكبر العلامات التجارية وأكثرها قيمة.
لذا فإن التسلح الصيني أو حتى التنمية الإقتصادية لوحدها لا تكفي من أجل بناء قوة عالمية تأخذ مكان نظيرتها الأمريكية مستقبلا.
لقد راهن من قبل الإتحاد السوفياتي على القوة العسكرية وأهمل القوة الاقتصادية وفشل، ومرة أخرى روسيا هي ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم لكنها اقتصاديا دولة أصغر من ولاية نيويورك الأمريكية ودول مثل إيطاليا، وبالرغم من قوتها الإعلامية واستخدامها الأكاذيب ونظريات المؤامرة إلا أنها لا تحظى بقبول واسع عالميا.
لهذا السبب عمل الرئيس الحالي منذ وصوله إلى السلطة أول مرة على صياغة الحلم الصيني الذي يقول إنه قديم قدم التاريخ ويعود إلى الإمبراطوريات الصينية القديمة لكنه حلم بمعايير حديثة.
تعد الإشتراكية الصينية العمود الفقري للحلم الصيني، وهي اشتراكية تؤمن بالسوق الحر لكن الدولة حاضرة بقوة كجهة رقابية وتنظيمية ويمكنها أيضا التدخل بطرق متنوعة في السوق وبصورة أكبر مما تفعله الدول الرأسمالية والليبرالية.
إقرأ أيضا:جيبوتي في قلب الصراع الصيني الأمريكيعندما تقرأ في المواقع الصينية الموالية للحكومة التي تتحدث عن الحلم الصيني يمكنك أن ترى الكثير من الشعارات المقتبسة من الثقافة الغربية مثل ثورة الديمقراطية وحرية التعبير وما إلى ذلك من القيم التي عملت الحضارة الغربية على نشرها والدفاع عنها.
الشق المتعلق بطموح الزعامة مهم وواضح ومفهوم أيضا، تريد الصين أن تكون مكان الولايات المتحدة الأمريكية سيدة أخرى للعالم لعقود وربما قرون، وتنتقل هذه الزعامة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.
لدى الرئيس الصيني الحالي رؤية “لجعل الصين عظيمة مرة أخرى” داعياً إلى “التجديد العظيم للأمة الصينية”، وتقوم رؤيته على أمرين مهمين القضاء على الفقر في بلاده ورفع الدخل الفردي ليصل إلى المستوى الذي يحظى به المواطن الأوروبي أو الأمريكي، ومن جهة أخرى توحيد الصين من خلال استعادة تايوان والقضاء على التمرد في هونج كونج وجعل مسلمي شينجيانغ صينيين حقيقيين بقيم الصين التي تعادي الديانات.
لا تريد الصين فتح الباب كثيرا لحرية المعتقد، إذ تريد أن يكون المواطن والمقيم الصيني قوميا ولائه الأول للحزب الشيوعي الصيني وللوطن وليس الدين.
لذا قيم مثل الأخوة العابرة للحدود في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو الديانات الأخرى التي تفضل الإنتماء الديني على الانتماء القومي تشكل تهديدا للحلم الصيني.
من جهة أخرى إذا أردنا أن نفهم الحلم الصيني من خلال إجراءات الرئيس الحالي، فهي تعني دولة استبدادية أكثر بمبادئ الإشتراكية التي تحد من طموحات رجال الأعمال والقطاع الخاص والمستثمرين، وقد تابعنا جميعا كيف حطم الرئيس شي جين بينغ أمثال جاك ما، وحد أيضا من تنامي قطاع التعليم الخصوصي، وأشعلت سياساته الإشتراكية أزمة الرهن العقاري وتراجع القطاع العقاري وحتى قطاع كرة القدم تضرر وأفلست الكثير من الأندية.
إقرأ أيضا:ليلة انقلاب فاغنر على روسيا وانقلاب عسكري وشيكورغم الحديث عن الديمقراطية في الحلم الصيني فإن البلد الذي يتواجد به حزب واحد وهو الآمر والناهي فيها، يبدو بعيدا عن هذه الممارسة السياسية، والإنتخابات فيه شكلية لا تغير الكثير فكل شيء تحث سيطرة الحزب الحاكم.
على المستوى الدولي تؤكد الرؤية الصينية على ضرورة أن يكون العالم قائما على السلام، ويبدو الإتفاق السعودي الإيراني أول ثمار هذه الرؤية، وتحاول أيضا بكين لعب دور الوسيط في قضية أوكرانيا لإنهاء الحرب، لكن يمكن أن تكون الصين طرفا في أعظم حرب بجنوب شرق آسيا والتي يمكن أن تندلع في الأشهر أو السنوات القادمة، خصوصا وأن علاقتها متوترة مع تايوان واليابان والهند وفيتنام والفلبين وأستراليا والقائمة طويلة.
يفترض الحزب الشيوعي الصيني أنه لطالما كان قادرا على تحقيق الإزدهار الإقتصادي والحفاظ على الاستقرار، فإن الشعب الصيني والأسواق العالمية، سوف يرضخون لسياسات وممارسات الحكومة المركزية العدوانية المتزايدة.
قمع مسلمي الإيغور في شينجيانغ، دبلوماسية الذئب المحارب في الخارج، القمع الشديد في هونغ كونغ، كبح جماح عمالقة التكنولوجيا في الصين، تضييق الخناق على صناعة التدريس في التعليم الخاص، عمليات نقل التكنولوجيا القسرية، والإكراه الاقتصادي، والتجسس الصناعي، ونظام دولة المراقبة، كل هذه السياسات تعكس حقيقة حلم الصين.
بالنسبة لشباب الصين فإن بلادهم عبارة عن سجن كبير إما أن تكون فيه مع رأي الحزب الشيوعي وتلتزم بالقواعد التي يضعها بما فيها التحكم في حياتك الجنسية من خلال تحديد النسل، وإما ستصبح شخصا منبوذا حتى في سوق العمل إذا كان لديك آراء وسياسات شخصية لا تعجب الحكومة التي تراقب كل شيء بالكاميرات وتزرع موظفيها المخلصين في مجالس إدارات الشركات الخاصة.
إقرأ أيضا:لماذا فكرة أعداء الله مهينة وتفضح بشرية الدين؟إقرأ أيضا:
أعداء الصين: اليابان الفلبين فيتنام الهند تايوان أستراليا
سياسة بريطانيا في الخليج العربي وموقفها من ايران والصين
دروس من افلاس سريلانكا ومشكلة فخ الديون الصينية
تجنب افلاس باكستان في يد الصين وصندوق النقد الدولي
قصة اتفاق التطبيع بين ايران والسعودية ومكاسب الصين
اندلاع الحرب بين الصين والهند مسألة وقت فحسب
ثورة شباب الصين: اللاإنجابية للأحرار والتوالد لعبيد الشيوعية