علوم

هل يجوز التطبيع مع إسرائيل؟ نعم لأن السياسة فن الممكن

يحتكم عامة الناس إلى القيم والأخلاق والدين في أمر السياسة وهي التي لا تعترف بالشعارات العاطفية التي تشبع بها المسلمون والعرب اليساريون على حد سواء.

لذا لا غرابة أن البحث عن إجابة لسؤال سياسي ديني تتزايد في محركات البحث وهو: هل يجوز التطبيع مع إسرائيل؟ وما حكم التطبيع مع إسرائيل؟

والحقيقة أنه لو ترك الناس أمر السياسة للمختصين بها لكان أفضل لهم، إذ لا يستطيع عامتهم تفهم الصلح والهدنة مع الأعداء والمنافسين على رقعة الجغرافيا، وتتحكم بهم عواطفهم، وإن كانت هناك دماء قد سالت فإنهم لا يتسامحون مع ذلك ويظل موقفهم هو رفض تقبل التسويات السياسية.

لا توجد أخلاقيات في السياسة منذ عصر الصحابة

نعود إلى الوراء، إلى عصور يقال أنها كانت عصورا رائعة للإسلام والمسلمين، لنجد أن الفتن والحروب بين المسلمين اشتدت في فترات من التاريخ وقتل فيها خير المسلمين.

من فتنة مقتل الصحابي عثمان بن عفان إلى الفتنة الثانية التي شهدت مقتل الحسين وأدت إلى خلاف سياسي أضر بالتوافق الديني بين المسلمين، ولا ننسى الفتن التي جاءت بعدها، والتي شهدتها الدولة الإسلامية في عصر الأمويين والعباسيين وتطاحن الملوك والأمراء واستخدامهم أساليب غير مباحة دينية لكن اقتضتها الضرورية السياسية والعسكرية، مثل حصار مكة الذي انتهى بمقتل الخليفة عبد الله بن الزبير.

إقرأ أيضا:فوضى القومية بعد أوهام الخلافة الإسلامية والوحدة العربية

لا شك انه عندما نقرأ التاريخ الإسلامي وهذه الفتن التي قتل فيها آلاف المسلمين، والإنطلاق من القاعدة الإسلامية التي تؤكد أن قتل مسلم لمسلم كبيرة من الكبائر ولربما القاتل والمقتول في النار، فإن النتيجة هي شعورنا بالحزن والأسى على ما حدث حينها.

في تلك الحروب والخلافات والمنازعات التي كانت حول الحكم، رأينا اتفاقيات الهدنة والصلح مع الإمبراطوريات المنافسة خصوصا الروم، وتحالفات سياسية جمعت أكثر الأطراف تنازعا واختلافا.

في فتنة مقتل الخليفة عبد الله بن الزبير بمكة، كانت الدولة الأموية تحارب كل من يخرج عن طوعها ويدعي الإمارة لنفسه، وقد نجحت في القضاء على تلك الإمارات الصغيرة التي انفصلت عن الدولة الأموية والقضاء على الثورات الشعبية مثل تلك التي حصلت في العراق بالقوة وبالسلاح، وهذا لبناء دولة موحدة واستكمال الفتوحات الإسلامية.

لا توجد أخلاقيات في السياسة منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا، لكن هذا هو عالم الحكم والملك، حيث كل شيء مباح ليس للوصول إلى السلطة فحسب بل أيضا للحفاظ على الحكم وتحقيق المصلحة العليا للدولة.

صلح الحديبية الذي أغضب الصحابي عمر بن الخطاب

بالعودة أكثر إلى الوراء، إلى عصر الرسول الأعظم، فقد أثار صلح الحديبية بين المسلمون والمشركون جدلا واضحا، إذ لم يتفهم الصحابي عمر بن الخطاب سبب تأجيل الحج إلى العام الموالي للإتفاق وعدد من بنود الاتفاق التي كانت تبدو في صالح المشركون بالرغم من أن المسلمون كانوا في موقف قوة.

إقرأ أيضا:كيف تنفق شركات النفط مليارات الدولارات لنفي التغير المناخي؟

لم يكن هذا موقف الصحابي عمر بن الخطاب فحسب لكنه أيضا موقف عدد من الصحابة الذين فهموا الاتفاق بشكل سطحي ولا يعرفون أن السياسة لعبة أعمق من السطحيات والشعارات الرنانة والإنتصارات السريعة التي قد تعقبها خسائر وهزائم كبرى.

وهذا أيضا موقف عامة الناس ممن لا يفهمون السياسة، والذين يناقشون عادة في أمورها، ويحركهم الحزن والغضب لتكفير قيادة معينة او دولة اسلامية محددة واثارة الفتن.

هل يجوز التطبيع مع إسرائيل؟

فن الممكن هو فكرة أن السياسة هي مسألة براغماتية بدلاً من المثالية، وفقًا لهذه النظرة العالمية فإن السياسة هي مسألة إنشاء أهداف قابلة للتحقيق وتنفيذها في العالم الحقيقي.

ربما تعود الفكرة إلى العصور القديمة، ومع ذلك فهو أكثر ارتباطًا برجل الدولة الألماني في القرن التاسع عشر أوتو فون بسمارك، الذي كان وراء إعادة توحيد ألمانيا، قال بسمارك الشهير إن “السياسة هي فن الممكن”.

يستخدم السياسيون عمومًا “فن الممكن” كعبارة إيجابية، يشير المصطلح إلى الذكاء والحس السليم والقدرة على العمل داخل النظام.

غالبًا ما يتحدث النقاد عن “فن الممكن” عندما يريدون شرح سبب تناقض السياسي مع أنفسهم، عندما يتصرف قائد ما ضد مبادئه المعلنة، فذلك لأنهم براغماتيون ويبحثون عن فن الممكن.

لذا فإن السؤال “هل يجوز التطبيع مع إسرائيل؟” ليس هو التساؤل الصحيح، بل ما هي النتائج المتوقعة من التطبيع مع إسرائيل؟ ما هي الأسباب التي ستدفع الدول الإسلامية والعربية للتطبيع مع إسرائيل؟

إقرأ أيضا:محاولة اغتيال دونالد ترامب: هل تندلع الحرب الأهلية الأمريكية الثانية؟

الفتاوى التي تحرم التطبيع لا وزن لها في عالم السياسة، فهي كتبت في السنوات الماضية عندما كان القادة العرب والمسلمون يرفضون التطبيع، واليوم ادرك أهل السياسة والحكم أن إسرائيل فرضت نفسها، والأفضل التحلي بالواقعية والتعامل معها وأخذ مكاسب منها لصالح فلسطين والعرب، فالمقاطعة والعداوة والدعوات بتدمير إسرائيل ليس لها نتائج إيجابية تذكر!

إقرأ أيضا:

اغتيال شينزو آبي وتاريخ الإغتيال السياسي في اليابان

روسيا أم الصين وراء اغتيال رئيس وزراء اليابان شينزو آبي؟

أخطاء الجزائر المعزولة: ضد اتفاقيات إبراهيم ومع روسيا ضد أوروبا

انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو خطأ بوتين

هل الصين والهند حلفاء فعلا؟ طبيعة العلاقات الصينية الهندية

حلف الناتو العربي مفتاح السلام والرخاء في الشرق الأوسط

السابق
ما هو فيروس ماربورغ القاتل؟ أعراضه وهل هناك لقاح لمعالجته؟
التالي
بن غفير يتسبب بـ”أزمة دستورية” تهدد إسرائيل ..