من الإستهانة بمرض جدري القرود إلى وباء جديد

في 7 مايو، تم الإبلاغ عن حالة إصابة بمرض جدري القرود في بريطانيا، بعد أقل من أسبوعين تم تأكيد أو الإشتباه في أكثر من 100 حالة في أوروبا، إلى جانب حالات في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، واليوم هناك أكثر من 900 حالة في دول العالم التي لا ينتشر بها هذا المرض عادة.

بالطبع، يثير الانتشار الدولي السريع للمرض الذي لم يتم تفسيره بعد مخاوف، في هذا الوقت تحاول الكثير من وسائل الإعلام مدعومة بخبراء في الطب والصحة العامة طمأنة الناس بأن هذا المرض لن يتحول إلى وباء جديد.

ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن جدري القرود ليس مرضًا جديدًا: فقد حظي للتو باهتمام ضئيل خارج البلدان الموبوءة في غرب ووسط إفريقيا حتى وقت قريب عندما تأثرت الدول الغنية.

لكن حتى كورونا لم يكن مرضا جديدا، بل إن الفيروس تطور وكذلك يستطيع جدري القرود والذي تم اكتشاف سلالتين جديدتين منه في الولايات المتحدة الأمريكية.

تؤدي التغييرات العالمية والمحلية في مناخ الأرض والبيئة إلى فرص جديدة لمشاركة الفيروسات بين الأنواع الحيوانية، تقدر ورقة نمذجة حديثة أنه في الخمسين عامًا القادمة، سيكون هناك ما لا يقل عن 15000 حدث انتقال عبر الأنواع لفيروس جديد واحد على الأقل نتيجة لتغير المناخ، سوف ينتشر بعضها ويصيب البشر.

إقرأ أيضا:كيف يهدد انقلاب النيجر أمن أفريقيا ويعزز من نفوذ روسيا؟

واليوم فإن انتشار جدري القرود خارج دول غرب أفريقيا، هو دليل على أن هذا المرض قد طرأ عليه تغييرا مهما، وأصبح ينتشر في دول كثيرة ولم يعد خاصا بمنطقة واحدة.

قال مسؤولون من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض في بيان رسني يوم الجمعة إنه تم اكتشاف “نوعين مختلفين جينيًا مختلفين على الأقل” من جدري القردة في الولايات المتحدة منذ اكتشاف تفشي عالمي كبير الشهر الماضي، ولا تزال التحقيقات في انتشار المرض مستمرة مع تسجيل الولايات المتحدة حاليا أكثر من 20 حالة على الأقل.

الذعر الأكبر يحصل في كندا التي تم تسجيل 77 إصابة فيها والوضع مقلق في كيبيك التي تواجه تفشيا عنيفا للمرض، ويزداد أعداد المخالطين للمرضى.

شكلت أمراض مثل جدري القردة وفيروس الإيبولا وفيروس ماربورغ وحمى لاسا، التي تم تحديدها على أنها تنطوي على إمكانية حدوث جائحة، تهديدًا للصحة العامة لملايين الأشخاص، الذين يعيشون في الغالب في البلدان منخفضة الدخل، ولكن تأتي اللقاحات والعلاجات لهذه الأمراض فقط عندما ترى الدول الغنية تهديدًا وترى شركات الأدوية سوقًا مربحة.

تم الإبلاغ عن أكثر من 2800 حالة مشتبه بها في عام 2018 في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها، في العام التالي، كان هناك ما يقرب من 3800 حالة في نفس الدولة.

بحلول عام 2020 وبعد نصف قرن من اكتشاف أول إصابة بشرية في الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، التي كانت تُعرف آنذاك باسم زائير، اقترب العدد الإجمالي للحالات السنوية المشتبه بها من 6300 بما في ذلك 229 حالة وفاة.

إقرأ أيضا:لماذا قد تخسر روسيا كالينينغراد؟ وكيف؟

حدثت الزيادة الواضحة في الإصابات مع زيادة العولمة، واستمر البشر في التعدي على موائل الحيوانات، وبدأت الحماية المتبادلة المقدمة من حملات التحصين ضد الجدري المستمرة منذ عقود في التلاشي، وبالنظر إلى هذه العاصفة الحالية لم يصدم العديد من العلماء من الظهور الأخير لجدري القرود في بلدان أخرى حول العالم.

وبينما انتشر المرض بين مجموعة من المثليين الذكور، فإن المرض سريعا ما انتقل إلى مخالطين ونساء ورجال ليس لديهم أنشطة جنسية مثلية.

عادة ما يدخل فيروس جدري القرود، المعروف بتسببه في آفات جلدية منبهة، إلى البشر عندما يلمس شخص ما أو يأكل حيوانات برية مصابة، من هناك يمكن أن ينتشر من خلال الاتصال الوثيق، بما في ذلك قطرات الجهاز التنفسي في الهواء، أو ملامسة الجلد للجلد أو إذا لمس شخص ما الأسطح الملوثة مثل الملابس أو الفراش.

بعبارة أخرى يمكن أن يصيبك هذا المرض إذا أصاب شخص قريب لك تعيش معه في نفس المنزل، تقل الإحتمالات في حالة مرورك إلى جانب مصاب به في السوبر ماركت أو مكان عام، لكن لا توجد أي ضمانات على أنك لن تصاب به.

إقرأ أيضا:الجانب المظلم من ديمقراطية إسرائيل

وبناء على ما سبق يمكن القول بكل ثقة أنه بدون مواجهة جدية لهذا المرض، سيواجه العالم وباء جديدا في الأسابيع والأشهر القادمة يكون جدري القرود بطله.

لا تزال المزيد من الدول حول العالم تسجل أول حالات الإصابة به، سواء لأشخاص كانوا في أفريقيا أو جاؤوا من أوروبا التي ينتشر بها المرض، وتعد أول حالة سجلها المغرب هي لرجل قادم من القارة العجوز.

وفي ظل نهاية إجراءات الوقاية من كورونا واقبال الناس على التجمعات في الأسواق والمهرجانات والملاهي وملاعب كرة القدم لدى جدري القرود فرصة ليصبح وباء عالميا جديدا.