وصل سعر النفط إلى 85 دولار أمريكي للبرميل، وتعد الأشهر الأخيرة والسنة الحالية وقتا رائعا لمنتجي النفط مثل روسيا والسعودية وقد انتعشت كذلك الدول التي تنتج الغاز والفحم.
لكن دول مثل اليابان والهند والولايات المتحدة والصين والإتحاد الأوروبي وبقية المستوردين للنفط، يتألمون وهذا سينعكس سلبا على قطاعي الصناعة والخدمات.
غير أنه من الجهل القول أن السعودية وكبار منتجي النفط والغاز سيستفيدون كثيرا من ارتفاع الأسعار، إذ أن تلك الدول تستورد الغذاء والكثير من احتياجاتها من المنتجات الأخرى، وما تكسبه ستنفقه لامحالة!
سينعكس سلبا ارتفاع أسعار النفط على أسعار الغذاء العالمي ونقله وشحنه، وما يحدث حاليا من انقطاع الكهرباء في الصين يهدد باستمرار أزمة سلاسل التوريد العالمية.
وهذا يعني أنه ما تكسبه السعودية مثلا من النفط سيذهب على تكاليف الغذاء التي تزداد، وهي من الدول المتضررة بقوة من ازدياد أسعار المواد الغذائية العالمية.
لكن المشكلة ليست اقتصادية فحسب، ولكن ارتفاع أسعار النفط يدفع الدول المستوردة المتضررة إلى تشجيع الرياض وحلفائها على زيادة الإنتاج.
وزيادة الإنتاج في وقت سيحل مشكلة الأسعار المرتفعة وسيمنع ارتفاع النفط إلى 100 دولار للبرميل، إلا أنه سيزيد من الإنبعاثات القذرة ويدمر جهود العالم لتقليل إنتاج الوقود الأحفوري.
إنها ورطة كبرى لحضارتنا وعالمنا، فمن جهة لا نريد أن يرتفع سعر النفط كثيرا، ونفضل استقرار الأسعار بمستويات معقولة ومحددة، ومن جهة أخرى لا نريد زيادة انتاج الوقود الأحفوري.
إقرأ أيضا:لماذا الله لا يستجيب دعائي؟ التضرع يرسخ المعاناةتتقاطع أزمة الطاقة العالمية مع أزمة ارتفاع أسعار الغذاء وأزمة المناخ المضطرب، وهما أزمتين خطيرتين، الأولى تهدد الملايين بالجوع وبسقوط دول وانتشار الفوضى، والثانية ستخفي مدنا بأكملها وتدمر الحياة بمعظم دول العالم.
هناك حالة من الفوضى العالمية حاليا، تضع الحكومات في أولوياتها استقرار أسعار الطاقة والغذاء لأن ذلك يهددها، وتتعرض لضغوط من المدافعين عن البيئة في نفس الوقت، وجماعات الضغط التي تؤيد الحرب على الوقود الأحفوري.
وبين هذا الفريق وذاك، يمكن أن يكون لكل حكومة هدفين متعاكسين، الرغبة حاليا في زيادة انتاج واستهلاك الوقود الأحفوري، وهدف القضاء عليه.
لقد اكتشافنا أن مشاريع الطاقة المتجددة لم تصل بعد إلى النضج الكبير، رغم تنامي الإستثمارات واهتمام شركات نفطية بهذا المجال أيضا، وأننا بحاجة إلى الوقود الأحفوري في الوقت الحالي.
لكن الحل في نظري هو القضاء على الفحم في أقرب وقت، وزيادة الاهتمام بالغاز الطبيعي لأنه أنظف من النفط ومن أي وقود احفوري آخر.
الأرجح أن هذا هو توجه أوروبا الفترة القادمة، حيث قد تشارك في تمويل مشاريع الغاز من نيجيريا عبر المغرب والجزائر، مع زيادة الإستثمار في التحول الأخضر.
وكما نعرف فإن الغاز ليس وقودا يمكننا الرهان عليه طويلا، لكنه آخر فرد من أفراد عائلة الوقود الأحفوري والوسيط بين عصر مصادر الطاقة الملوثة وعصر الطاقة النظيفة.
إقرأ أيضا:كارما ذبح الحيوانات والأضاحي ومصير الأرواح القاتلةتضغط الولايات المتحدة الأمريكية على أوبك بلس لزيادة إنتاج النفط، وهي التي منعت العديد من مشاريع النفط والغاز في أمريكا بعهد بايدن، وعلى الأرجح سترفع الدول الإنتاج بشكل تدريجي من أجل منع أي انهيار كبير في الأسعار.
ربما يرتفع عالميا استهلاك النفط حتى تستعيد السوق التوازن وتحل مشكلة الغاز في أوروبا خلال الأشهر القادمة، لكن لا مفر من الحد من الوقود الأحفوري وإيقاف استهلاكه.
إقرأ أيضا:اسبانيا تعترف بفلسطين: لماذا الآن وهل مدريد صادقة؟يؤيد معظم المراقبين حل مشكلة ارتفاع أسعار النفط الآن أولا، واستعادة التوازن ثم العمل على تسريع التحول الطاقي، فاستمرار ارتفاع أسعار النفط ينعكس سلبا على الصناعة والإنتعاش الاقتصادي ويهدد جهود الحكومات لتقليل نسب البطالة المرتفعة ومكافحة الجوع والهشاشة.
وبدون حل مشكلة الطاقة لا يمكن السيطرة على ارتفاع أسعار الغذاء أيضا، وهي مشكلة كبير ستتفاقم مع ارتفاع التضخم عالميا بسبب أسعار الفائدة المنخفضة منذ مدة طويلة.
إقرأ أيضا:
السعودية تريد الحياد الكربوني لكنها لا تريد نهاية النفط
لماذا سيرتفع سعر النفط إلى 100 دولار وما علاقة الغاز بذلك؟
انتقال السعودية ودول الخليج من النفط إلى اقتصاد المعرفة
كيف تستغل أرامكو ومنافساتها ارتفاع أسعار النفط قبل الإنهيار؟