كان الوباء صدمة لكافة الناس حول العالم، إذ ضرب الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، وتسبب في أضرار لكليهما، وكشف ضعف الأنظمة الصحية وسهولة انهيار الحضارة الحديثة.
وقد غير ذلك من وعي الكثير من الناس الذين أدركوا أننا لا نعيش في عالم كقرية صغيرة فحسب، بل إن حياة الأمم والشعوب المختلفة مرتبطة ببعضها البعض.
وهذا أعطى دفعة قوية للناشطين وحتى المجتمع الدولي لأخذ مشكلة التغير المناخي على محمل الجد، فهي لا تهدد أفريقيا بالمجاعات فقط بل باختفاء الكثير من السواحل والمدن وبانتشار المجاعات إلى أكثر الدول المتقدمة في العالم.
ورغم أنه بفضل التكنولوجيا والتقدم العلمي استطاع الإنسان الحديث القضاء على الكثير من الأمراض وحتى محاربة الوباء الحالي والتوصل إلى لقاحات له في وقت قياسي، وبفضل هذه التقنيات رفع من الإنتاج الغذائي والطاقي ووفر الأكل والطاقة لأغلب سكان الأرض الذين تعدى عددهم 7.6 مليون نسمة.
نعم هي إنجازات كبرى وامكانيات عظيمة هي التي توفرها الحضارة الحالية لسكان الأرض، لكن أزمات أسعار الغذاء والطاقة الحالية تشير مرة أخرى إلى سهولة انهيار الحضارة الحديثة.
ارتفعت أسعار الأغذية خلال أغسطس الماضي لمستويات هي الأكبر منذ 60 عاما، وبدأت تعاني الكثير من الأسر من تكاليف المعيشة التي ترتفع بشكل متسارع.
النظام الغذائي العالمي وان لم يكن مثاليا من الناحية الصحية، ويستخدم التقنيات الصناعية لإنتاج الأغذية دون أن تكون طبيعية وذات قيمة غذائية عالية، إلا انه يسد الرمق ويحارب الجوع ويوفر أكلات باهظة الثمن في الأصل بأسعار مناسبة لكل الناس.
إقرأ أيضا:ما هي حرائق الغابات أسبابها وعلاقتها مع الصواعق؟وفي ظل مشاكل التوريد وارتفاع الطلب وقلة المعروض وانهيار المخزونات حول العالم، ترتفع الأسعار وتفقد الأطعمة المصنوعة واللحوم التي يتم انتاجها بسرعة ميزتها الفريدة وهي الأسعار المنخفضة.
قارن سعر لحم الدجاج البلدي الذي تم تربيته بشكل طبيعي بالدجاج الصناعي المنتشر، الأخير أرخص 7 مرات تقريبا من الدجاج الطبيعي ويتمتع بوزن أكبر.
والآن يتقلص الفارق وتفقد صناعة الأغذية في ظل الأزمة الحالية ميزتها، وتفقد المزيد من الأسر حول العالم القدرة للوصول إلى الأكل سواء كان صحيا أو غير ذلك، فيما يعزز الوضع الحالي من المجاعة التي تهدد اليوم 40 دولة على الأقل حول العالم وليس فقط في أفريقيا.
أما أزمة الطاقة فهي تأتي لتزيد الطين بلة، فقد أدت إلى انقطاع الكهرباء على عشرات المقاطعات الصينية، وتوقفت الكثير من المصانع، وهي تهدد مختلف الصناعات بما فيها الأغذية ما يزيد من قلة المعروض مقارنة مع الطلب.
إنها مشكلة كبيرة أصبحت الآن بارزة في الصين، فيما تعاني القارة الأوروبية وهناك ارتفاع لأسعار الطاقة بشكل جنوني عالميا وأمريكيا.
وهناك دول مهددة بالظلام مثل باكستان، فيما يجد منتجي الطاقة أنفسهم في ورطة، حيث عليهم العودة إلى الفحم والنفط لإنتاج الكهرباء ما يمنع تنفيذ خطة الإنتقال إلى الغاز والطاقات المتجددة.
ولا يزال إنتاج الطاقة النظيفة غير ناضجا في أغلب دول العالم، وهو المتضرر في أوروبا بسبب الطقس الهادئ وغياب الرياح خلال الصيف الحالي.
إقرأ أيضا:الشراكة المغربية الفرنسية تزدهر رغم حقد الحاقدينليس من الصعب أن نشاهد انهيار الحضارة في السنوات القادمة، والحديث عن اختفاء الكهرباء والإنترنت والتكنولوجيا ليست خيالا علميا غير قابل للتحقق.
من يتأمل الوضع العالمي ولديه فهم عميق بمشاكله ونقاط ضعفه، يعلم أن حضارتنا ليست أقوى من حضارات قد خلت من قبل وكان لديها أسباب عظيمة للبقاء واختفت في نهاية المطاف.
إقرأ أيضا:هل حرية التعبير مطلقة أم مقيدة؟ وهل التكفير حرية تعبير؟إلى جانب ضرورة اصلاح القطاع الصحي في العالم ومواصلة الإستثمار القوي في الرعاية الصحية، يجب أن يتم إصلاح نظام الطاقة في العالم وكذلك نظام إنتاج الغذاء.
يحتاج العالم إلى تأمين الطاقة والغذاء ونظام صحي والحفاظ على عالم أفضل بدون حروب عسكرية وإرهاب، وكل هذا ينبغي أن لا يكون على حساب البيئة والأرض.
لقد اتضح للجميع أن التركيز على الحسابات التجارية والأنانية البشرية دون القلق على الأرض هي أنانية وتهور وانتحار جميع على المدى القصير والطويل.
إقرأ أيضا:
المجاعة تتفوق على الوباء في زمن كورونا
موعد الوباء القادم بعد كورونا ومصدره
الوباء تمهيد لما هو أعظم … المجاعة
لماذا سيرتفع سعر النفط إلى 100 دولار وما علاقة الغاز بذلك؟
حقائق عن أزمة ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة