من حين لآخر نسمع بعدد من المتاجرين بالدين من أمثال الشيخ وجدي غنيم، يلعنون آل سعود والأمير محمد بن سلمان، لأنه في عصره تستضيف السعودية المغنيين والفنانين في الرياض ويعتبرون ذلك بمثابة تدنيس أرض الحرمين.
ومن المؤكد أن هؤلاء الأشخاص لديهم توجهات سياسية معارضة في الأصل لحكم آل سعود، ولسياسة الإنفتاح التي تنهجها المملكة التي تبحث عن تنويع مصادر إيراداتها.
في البداية ينبغي أن نتفق أن احضار هؤلاء الفنانين وإقامة المهرجانات يحدث عادة في الرياض ومدينة جدة وبمناطق أخرى على البحر الأحمر إضافة إلى نيوم مستقبلا.
لا تقام هذه المهرجانات بالقرب من الكعبة ولا في قلب مكة ولا بالقرب من المسجد النبوي أو بقلب المدينة المنورة، وكلا المدينتين شهدتا مآسي وتدنيس حقيقي على يد الصحابة وأبناؤهم المتورطين في الصراعات على السلطة في زمن القرن الأول للإسلام.
ما حدث في ذلك الوقت لا يقارن مع ما يحدث الآن، مكة هي مدينة مستقرة ومزدهرة وقد عملت السلطات السعودية على توسيع الحرم المكي وتوفير سبل الراحة للحجاج والمعتمرين على مدار السنة، وكذلك هي المدينة المنورة التي شهدت تطويرات كبرى في العقود الأخيرة.
في الماضي شهدت مكة والمدينة المنورة أحداثا خطيرة، وللأسف هذا حدث في زمن الصحابة وأبناؤهم وبحياة أشخاص عاشوا مع الرسول وعلموا منه جيدا أن سفك دماء المسلمين والمشاركة في الفتن هو أمر خطير ونهايته الجحيم، بداية من حروب الردة إلى الفتنة الإسلامية الأولى والثانية.
إقرأ أيضا:طائرة الذكاء الإصطناعي الإسرائيلية التي أفشلت هجوم ايرانبالطبع اعتزل عدد منهم الصراع ونأت طائفة بنفسها عن ما يحدث بين المتصارعين حول السلطة، لكن للأسف الأسماء الكبرى والأعظم في التاريخ الإسلامي كانت متورطة.
لنبدأ من فتنة مقتل ثالت الخلفاء عثمان بن عفان في المدينة المنورة ببيته، بعد حصاره، وكان من ضمن المتورطين في الصراع ضده بعض من أبناء الصحابة مثل محمد بن أبي بكر الذي لم يشارك في قتله لكن اعتراضه على حكم عثمان كان بمثابة دعم للإنقلاب.
بعد مقتل عثمان نقل علي بن أبي طالب الخلافة من هذه المدينة وهجرها نحو الكوفة، في محاولة منه لإخراج أهل الفتنة منها وحماية أهلها من الإضرابات العسكرية التي كانت سائدة حينها ولمواجهة الخارجين عن طاعته ممن هربوا إلى العراق وليواجه الشام التي رفضت البيعة.
مع نهاية الحرب الأهلية الإسلامية الأولى اندلعت الثانية بتمرد أهل المدينة المنورة ضد حكم يزيد بن معاوية، أرسل الحاكم الأموي جيشا وغزا المدينة المنورة 63 هجرية، وقد استباح الأمويون دماء وأعراض أهل المدينة، قتل الكثير من أهل المدينة في هذه المعركة منهم 80 صحابياً و 700 حافظا للقرآن وتم اغتصاب آلاف المسلمات حتى أنجبت 1000 امرأة بدون زواج.
اتجه الجيش نفسه بعد الإنتصار ومقتل 11000 مسلم، إلى مكة لمواجهة تمرد عبد الله بن الزبير، وهو أول مولود في الإسلام، ابن أسماء بنت أبي بكر الصديق، لتتعرض مكة لحصار وينتهي الأمر بفشل اسقاطه لكن تعرضت الكعبة لدمار وحريق أيضا.
إقرأ أيضا:أهمية جودة الهواء في مباريات الشطرنج وأنشطة التفكيربعدها بسنوات عاد جيش الأمويين لاستعادة الجزيرة العربية، وقد استسلم أهل المدينة هذه المرة بدون قتال، فيما رفض عبد الله بن الزبير التخلي عن الخلافة، ليتعرض للمرة الثانية لحصار كبير، هذه المرة على رأس الجيش الحجاج بن يوسف الثقفي، وبعد حصار لمكة استمر أشهرا طويلة، تم تجويع أهل مكة وفر منها الكثير من سكانها إلى المدينة المنورة، وانتهى الأمر بضرب الكعبة بعد تنصيب المجانيق، ومقتل عبد الله بن الزبير واهانة جسده من خلال تعليقه بالقرب من الكعبة وهو أمر استمر لمدة ليست بالقصيرة.
للمرة الثانية تم هدم الكعبة، وتدنيس الحرم المكي بالدماء وجثث القتلى، ومرة أخرى على يد المسلمين وفي قتال حول السلطة.
هل رأينا هذا في عصرنا وحياتنا المعاصرة؟ بالطبع لا، السعودية اليوم وأرض الحرمين في أمان وسلام وشعبها يعيش في سعة من الخير والرخاء وليس كما كان حال أهل الجزيرة العربية منذ مقتل عثمان ولعقود طويلة.
إقرأ أيضا:ما الذي يمكن أن تفعله لتجعل بيتك أكثر أمنًا ضد الزلازل؟أشد وأخطر فتنة على الإسلام والمسلمين كانت في الماضي، عندما كان المسلم يقتل أخاه المسلم لأجل السلطة، ووصلت الصراعات الدموية إلى أرض الحرمين وارتوت أرض مكة والمدينة المنورة بدماء كثيرة وتعرضت النساء المسلمات للإغتصاب على يد مسلمين آخرين.
من يقرأ التاريخ ويتعمق في الأحداث يعلم جيدا أن الفارق كبير، وأن الوضع في المملكة حاليا أفضل بكثيرة، دماء الفتنة هي أعظم تدنيس شهدته أرض الحرمين.
إقرأ أيضا:
السعودية ليست صحراء بل دولة متنوعة الجغرافيا
انتشر الإسلام بحد السيف وكذلك المسيحية
دور عبد الملك بن مروان في أكذوبة المسجد الأقصى في القدس
داعش ليست صناعة أمريكية بل إسلامية سنية سلفية وهابية
سيتمكن الهندوس من غزو مكة في عصر الهند العظمى
معصيتي راحتي: عن الدعارة والمثلية في السعودية