علوم

ما المانع الإلحادي؟ الرد على الجاهل بالأخلاق العلمانية

المانع الإلحادي هو مصطلح اسلامي حديث يردده المسلمين في نقاشاتهم مع الملحدين، لذا تجد المسلم يسألك: ما المانع الإلحادي من السرقة؟ ما المانع إلحاديا من أن تنكح أمك وأختك؟

هذا التساؤل الإسلامي هو للبحث عن الأساس الأخلاقي في غياب إله، حيث يرى البعض أن الإلحاد لا يوفر أساسًا موضوعيًا للمفاهيم الأخلاقية مثل الخير والشر، مما قد يؤدي إلى انعدام القيم الأخلاقية الموضوعية.

الإلحاد ليس نظام عقائديا أو ديانة

الإلحاد هو مفهوم فلسفي يشير إلى إنكار وجود الله أو الآلهة، يشتق المصطلح من الكلمة الإغريقية “أثيوس” (atheos) التي تعني “بدون إله”.

يُعتبر الإلحاد موقفًا يتعارض مع الاعتقاد بالله، حيث يزعم الملحدون أن الكون والمادة أزلية ووجودها ليس بحاجة إلى خالق ببساطة.

وعلى عكس الدين الذي يملك نبيا أو قائدا روحيا أو كاتبا لقوانينه، فإن الإلحاد ليس نظاما عقائديا ولا يوجد زعيما له أو شخص يعد قدوة لجميع الملحدين.

في مجتمع الملحدين الناس يميلون أكثر إلى الإستقلالية بأفكارهم ومعتقداتهم وتفضيلاتهم عكس أتباع الدين والذين يتجمعون ويتشاركون المسيرة ويتبعون زعيما وحيدا ويتصرفون مثل القطيع.

عندما يطرح المسلم سؤال ما المانع الإلحادي؟ فهذا يعني أنه لم يفهم أن الإلحاد مجرد موقف من الإله برمته، انكار وجوده فحسب وليس أكثر من ذلك.

إقرأ أيضا:حقائق عن استهلاك اللحوم في ظل أزمة التغير المناخي

ليس لدى الملحدين مرجعية خارجية محددة يتبعونها هي التي تحرم وتبيح، بل يستخدمون عقولهم ويفكرون ويحترمون القوانين المدنية المعاصرة التي وضعها النظام العالمي العلماني الذي جرم الرق والعبودية ومنح المرأة حقوقها وجرم زواج القاصرات وتشغيل الأطفال وللأسف هذه الأمور الممنوعة هي مباحة وموجودة في الأديان الإبراهيمية التي تدعي أنها أفضل أخلاقيا.

حجة الأخلاق الفاشلة في اثبات وجود الله

الحجة الأخلاقية ليس ابتكارا إسلاميا للاستدلال على وجود خالق أسمى أخلاقي هو الذي خلقنا، بل إنه استدلال قديم استخدمه بعض الفلاسفة في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد لإثبات أن العالم له خالق.

يزعم المؤيدون أن بعض الحقائق الأخلاقية معترف بها عالميًا عبر الثقافات، مما يشير إلى أن هذه القيم ليست ذاتية أو نسبية ثقافيًا فحسب، بل إنها موضوعية وملزمة، على سبيل المثال، يُنظر إلى مفاهيم مثل العدالة وحقوق الإنسان وخطأ القتل على أنها قابلة للتطبيق عالميًا.

والحقيقة أنه على مر التاريخ البشري تطورت الأخلاق وكلما ازداد وعي الإنسان ارتقى أخلاقيا لدرجات تتجاوز أخلاق الدين الإسلامي نفسه، ويعد بوذا وهو المعلم الهندي الملحد نموذجا لشخص استخدم عقله وضميره للوصول إلى أخلاق تفوقت على أخلاق الديانات التي تبيح قتل المخالفين لها مثل اليهودية والمسيحية والإسلام.

إذا كانت الأخلاق مصدرها الله الذي لا يتغير والأسمى في الوجود، لماذا تتغير وتتطور الأخلاق على مر التاريخ؟ اليوم أخلاق الأمم المتحدة مثل تجريم الرق والعبودية أفضل من الأخلاق الدينية التي تبيح ذلك وتعتبره جزءا لا يتجزأ من اقتصاد الحروب.

إقرأ أيضا:انتشر الإسلام بحد السيف وكذلك المسيحية

من الواضح جدا أن الأخلاق صناعة بشرية، وهي تختلف أيضا من مجتمع لآخر، وينطبق الأمر نفسه على الدين الذي يتطور بتطور البشرية.

وبناء عليه تتواجد الأخلاق الموضوعية بشكل مستقل عن الله، كما أن القيم الأخلاقية يمكن أن ترتكز على الطبيعة البشرية أو الإجماع المجتمعي.

الأخلاق العلمانية التي لا يعرف عنها المسلم شيئا

تستند الأخلاق العلمانية إلى مجموعة من المبادئ الإنسانية التي تشمل التعاطف، المنطق، والعدالة. تسعى هذه الأخلاق إلى تجاوز النسبية الثقافية والدينية، وتؤكد على أهمية حرية الفرد في التفكير واتخاذ القرارات الأخلاقية دون قيود دينية أو تقليدية.

إن الملحدين، بدلاً من ذلك، يستطيعون أن يؤسسوا مُثُلهم الأخلاقية على الإنسانية، أي الفلسفة التي تؤكد على القيمة الجوهرية لكل البشر.

إن المنظور الإنساني يفرض احترام كل الأفراد بغض النظر عن تفضيلاتهم الدينية أو السياسية، إن الإنسانية العلمانية تتجنب، إن لم تكن تدين، النزعة النخبوية للأيديولوجيين الدينيين.

لا يوجد أساس عقلاني للزعم بأن ديناً ما أفضل من دين آخر، لقد حاول علماء الدين تبرير تفضيلاتهم الدينية على أساس الاستئناف إلى الكتاب المقدس. أي كتاب مقدس؟ هل العهد القديم، أو العهد الجديد، أو القرآن له أي حق أكبر في الحقيقة؟

هل يجب تفسير المقاطع الكتابية حرفياً أم مجازياً؟ من وجهة نظر أخلاقية، يمكن للملحدين والإنسانيين تجنب هذه الأسئلة المعقدة، إن لم تكن غير قابلة للإجابة، كل البشر لديهم قيمة أخلاقية بغض النظر عما إذا كان هناك “إله حقيقي” واحد أم لا.

إقرأ أيضا:حقيقة أرطغرل وغاية تركيا من ابتكار هذه الشخصية

بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتصرف الملحدون بدوافع نقية وليس انتظار المكافأة من خالق أو قوى أسمى، بل إنهم يميلون إلى القيام بما هو صحيح لمجرد أنه صحيح، وليس بسبب دافع خفي.

ولا حاجة إلى خلق الخيال لغرض التحفيز الأخلاقي، ولا حاجة إلى القيام بما هو صحيح لأن المرء يريد تجنب العقوبة، سواء كانت العقوبة في شكل السجن أو اللعنة الأبدية أو الجحيم.

ولا حاجة إلى أن يتصرف الناس الشرفاء من أجل المكافأة، سواء كانت هذه المكافأة دنيوية أو غير دنيوية، فضلاً عن ذلك فإن الإله الذي يغفر أي خطيئة وكل الذنوب يفعل أكثر من أي فلسفة علمانية لتشجيع ارتكاب الأخطاء والجرائم، وبوسع الملحدين أن يتجنبوا هذه المزالق لأنهم يعتنقون عادة مبدأ “الفضيلة هي مكافأة في حد ذاتها”.

إن الأخلاق العلمانية تمثل رؤية فلسفية تسعى إلى تأسيس قيم أخلاقية قائمة على العقل والتجربة الإنسانية، إذا أثبتت التجربة أن فعل ما سيء وله تداعيات سلبية سيتجنبه الملحد بسبب عواقبه المادية والنفسية الواضحة، ولا يحتاج إلى أن تخبره قوة أسمى بما يجب أن يفعله ويتجنبه.

والحقيقة هذه هي قصة الإنسان في الأرض، كان في الماضي يقوم بأفعال كانت مقبولة لأسباب أو مصالح معينة، لكن لاحقا تخلى عنها عندما اتضح له أن الفعل لديه تداعيات سلبية.

إن تجريم الرق والعبودية على سبيل المثال هو من أفضل إنجازات الليبرالية العلمانية وهو من الأخلاق التي دعا إليها فلاسفة التنوير بشكل واضح وأصبحت قوانين سياسية بعد نجاح الثورات الأوروبية وسقوط الملكيات المتدينة.

لذا قبل أن تسأل صديقي المسلم عن المانع الإلحادي من السرقة أو من ارتكاب جريمة معينة؟ أنصحك أن تقرأ أكثر في الفلسفات الأخلاقية الوجودية مثل الرواقية والبوذية والاهم تاريخ الأديان والأخلاق البشرية.

السابق
يديعوت أحرونوت: توقعات بعودة القتال في لبنان بنسبة 50 %
التالي
“هاليفي” ينتقد وزير جيش الاحتلال كاتس ويلمح إلى عزمه الاستقالة من منصبه..